ويشتد شوق الصحابة إلى معرفتهم، ولا يستطيعون بعد ذلك صبرا، فيقول أبو ذر رضي الله عنه: خابوا خيبة كبرى وخسروا خسرانا مبينا، من هؤلاء يا رسول الله؟
ويجيبه صلى الله عليه وسلم: هؤلاء هم: المسبل إزاره أو ثوبه أو رداءه إعجابا بنفسه وكبرا على غيره، وخيلاء بين الناس، يكسر قلب الفقراء ويتعالى على من حوله من العباد فيذله الله يوم القيامة، ويهينه ويحقره جزاء وفاقا.
والمنان كثير المن، الذي لا يعطي عطية إلا ويمن بها على من أعطاه فيبطل ثواب عطيته، ولا يعطيه ربه يوم القيامة من فضله ورحمته.
والمستهتر باسم ربه عز وجل، يحلف به ابتغاء عرض الحياة الدنيا، يشتري بعهد الله ويمينه ثمنا قليلا.
{أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}[آل عمران: ٧٧].
-[المباحث العربية]-
(ثلاثة) مبتدأ، سوغ الابتداء به وهو نكرة ملاحظة الإضافة أو الوصف، أي ثلاثة أشخاص، أو ثلاثة من الناس.
(لا يكلمهم الله يوم القيامة) أي لا يكلمهم تكليم أهل الخيرات وبإظهار الرضى، بل بكلام أهل السخط والغضب، كقوله:{اخسئوا فيها ولا تكلمون}[المؤمنون: ١٠٨] وقوله لمانع فضل الماء: "اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك" وقريب من هذا قول جمهور المفسرين: لا يكلمهم كلاما ينفعهم ويسرهم، وقيل: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية، وقيل: عدم تكليمه لهم كناية عن الإعراض عنهم.
والتقيد بيوم القيامة لأنه يوم المجازاة، وبه يحصل التهديد والوعيد.
(ولا ينظر إليهم) النظر إذا أضيف إلى المخلوق صح أن يكون كناية، لأن من اعتد بالشخص التفت إليه، فنقول: نظرة يا سيدي، ثم كثر حتى صار عبارة عن الإحسان وإن لم يكن هناك نظر، ولما كان النظر على الحقيقة هو تقليب الحدقة، والله منزه عن ذلك، كان إسناد النظر إليه تعالى مجازا عن الرحمة والإحسان، لأن من نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر، فالمعنى: لا يرحمهم، بإطلاق السبب وإرادة المسبب.
وقيل عدم نظره تعالى كناية عن الإعراض عنهم، فيكون تأكيدا للإعراض عن طريق نفي تكليمهم.
(ولا يزكيهم) أي لا يطهرهم من ذنوبهم، فلا يغفر لهم، وقال الزجاج: لا يثني عليهم.