واختلفوا في بعض شروطه، واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع.
واختلفوا هل هو عقد غرر، جوز للحاجة؟ أم لا؟
واختلفوا في جواز السلم الحال، مع إجماعهم على جواز المؤجل، فجوزه الشافعي وآخرون، ومنعه مالك وأبو حنيفة وآخرون، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم "إلى أجل معلوم" فالأجل المعلوم شرط صحة، كالكيل المعلوم، والوزن المعلوم، وقال الشافعية: إذا جاز السلم مع الأجل، وفيه من الغرر ما فيه، فمع الحال أولى، لكونه أبعد عن الغرر، وحملوا الأمر في قوله:"فليسلف إلى أجل معلوم" على العلم بالأجل إذا كان هناك أجل، لا على أنه يشترط الأجل، فالشرط العلم، وليس الأجل، والمعنى: من أسلم إلى أجل فليسلم إلى أجل معلوم، لا مجهول. وهذا هو المراد من قوله:"في كيل معلوم" أي إن كان هناك كيل فليسلم في كيل معلوم، وإن كان هناك وزن فليسلم في وزن معلوم، فالكيل ليس بشرط، والوزن ليس بشرط، إذ يجوز السلم في الثياب بالذرع والقياس.
ثم اختلفوا في المراد بالأجل المعلوم، هل يلزم تحديده باليوم والشهر مثلاً؟ أو يكفي وصفه التقريبي؟ ذهب بعض العلماء إلى الأول، واعتمدوا على قول ابن عباس: لا تسلف إلى العطاء - أي إلى يوم وصول العطاء من الأمير - ولا إلى الحصاد، واضرب أجلاً. اهـ. فهم يشترطون تعيين الأجل بشيء لا يختلف، فإن خروج العطاء قد يختلف ولو بيوم، وكذلك الحصاد، وقدوم الحاج، وأجاز ذلك مالك وأبو ثور، واختار ابن خزيمة من الشافعية توسيع الأجل، فأجاز تأقيته إلى ميسرة.
واختلفوا: هل يشترط قبض المال المبذول في مجلس العقد؟ أو يجوز التفرق قبل القبض؟ قال مالك: يجوز التفرق في السلم قبل القبض، إن كان بغير شرط، لأنه لم يذكر في الحديث، وقال الشافعي والكوفيون: يفسد بالافتراق قبل القبض، لأنه يصير من باب بيع الدين بالدين.
واختلفوا: هل يشترط في السلم تحديد مكان القبض؟ قال أحمد وإسحق وأبو ثور: يصح السلم إذا لم يذكر مكان القبض، لأنه لم يشترط في الحديث، وزاد مالك: ويقبضه في مكان السلم، وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي: لا يجوز السلم فيما له حمل ومؤنة إلا أن يشترط في تسليمه مكانًا معلومًا.
واختلفوا: هل يجوز السلم إلى من ليس عنده أصل مما أسلم فيه؟ على معنى هل يصح السلم في قمح لمن لا يزرع ولا يتاجر في القمح، وفي العنب إلى من لا يملك شجرة عنب؟ الجمهور على جوازه، فالحديث لا يشترط ذلك، وقد روى البخاري عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال:"كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون في الحنطة ... فقيل له: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك" وعن عبد الرحمن بن أبزى "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسلفون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم نسألهم: ألهم حرث أم لا"؟ فاستفيد الحكم من عدم الاستفصال، وتقرير النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
واختلفوا: هل يجوز السلم في الموزون كيلاً؟ قال النووي: يجوز السلم في المكيل وزنًا بلا خلاف، وفي جواز السلم في الموزون كيلاً وجهان، لأصحابنا، أصحهما جوازه، كعكسه. اهـ. ولعل من منع يرى أن وزن المكيل يعطي دقة أكثر، أما كيل الموزون فهو أقل دقة، والحق أن الجواز ليس على الإطلاق،