وذهب أبو حنيفة والثوري إلى أنها تثبت للجار الملاصق، عملاً بهذا الحديث وبأحاديث الوصية بالجار، وبحديث "جار الدار أحق بالدار" أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن، وحديث "جار الدار أحق بشفعة الدار" أخرجه أحمد والطبراني وابن أبي شيبة، وحديث "الجار أحق بسقبه" عن أبي رافع في قصة ذكرها البخاري، والسقب بالسين وبالصاد ما قرب من الدار، والجمهور يضعف بعض هذه الأحاديث، ويؤولها على فرض صحتها بأن المراد بالجار فيها الجار الشريك جمعًا بين الأحاديث.
ويدافع الحنفية عن حديث الباب بأن الشريك يسمى جارًا، لما بينهما من الاختلاط في الشركة، ويرد الجمهور بأن للشريك مفهومًا يغاير مفهوم الجار، فلا يراد أحدهما من لفظ الآخر.
وتثبت الشفعة للشريك الحاضر والغائب، ومنع الشعبي الشفعة للغائب.
وتثبت للصغير والكبير، وقال ابن أبي ليلى: لا شفعة لصغير.
ولا تباع الشفعة ولا توهب ولا تعار.
ولا تورث عند الثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحق، وقال مالك والشافعي: تورث، فمذهب أبي حنيفة أن الشفعة تبطل بموت الشفيع قبل الأخذ، بعد الطلب أو قبله، فلا تورث عنه، والجمهور على خلافه، لأن الوارث يقوم مقام المورث في التضرر.
٢ - فيم تثبت الشفعة؟ ولا خلاف في ثبوتها في العقار الذي يقبل القسمة، قبل القسمة، كالأرض والبيت والحديقة، بخلاف الحمام الصغير فلا تثبت فيه الشفعة عن الشافعية، ولا شفعة في الحيوان والثياب والأمتعة وسائر المنقولات عند الجمهور، وعند أحمد رواية أنها تثبت في الحيوان. قال القاضي: وشذ بعض الناس، فأثبت الشفعة في العروض، وفي رواية عن عطاء أنها تثبت في كل شيء، وهو رواية عن مالك، ومعنى ثبوتها في العقار قبل القسمة أنه لو قسم العقار بين الشريكين وتحددت الحدود صار كل من الشريكين جارًا للآخر، فلا شفعة إلا عند من يقول بثبوتها للجار.
٣ - واختلفوا فيما لو أعلم شريكه بالبيع، فأذن فيه، فباع، ثم أراد الشفيع أن يأخذ بالشفعة، فقال الشافعي ومالك وأبو حنيفة وأصحابهم: له أن يأخذ بالشفعة، وقال الحكم والثوري وطائفة من أهل الحديث: ليس له الأخذ، وعن أحمد روايتان، واختلفوا فيما لو باع بدون إعلام شريكه، هل يبطل بيعه؟ أو يحرم؟ الشافعية على أن لفظ "لا يحل" هنا محمول على الندب إلى إعلامه، وكراهة بيعه قبل إعلامه كراهة تنزيه، وليس بحرام، ويتأولون الحديث على هذا، إذ يصدق على المكروه أنه ليس بحلال، ويكون الحلال بمعنى المباح، وهو مستوي الطرفين، والمكروه ليس بمباح مستوي الطرفين، بل هو راجح الترك.