(فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه) في الرواية الثانية "فإن مثل العائد في صدقته كمثل الكلب، يعود في قيئه" وفي الرواية الخامسة "مثل الذي يرجع في صدقته كمثل الكلب، يقيء ثم يعود في قيئه، فيأكله" وفي الرواية السادسة "مثل الذي يتصدق بصدقة، ثم يعود في صدقته، كمثل الكلب، يقيء، ثم يأكل قيأه" وفي هذا التشبيه تنفير من وجوه. تشبيه العائد بالكلب، وهو أخس وأقذر الحيوان، وتشبيه ما يعاد بالقيء، وهو مستقذر، وتشبيه العود بأكل القيء، وهو شديد القذارة والاستقباح.
-[فقه الحديث]-
اختلف العلماء في حكم الرجوع في الهبة والصدقة بطريق الشراء ونحوه، فقال ابن بطال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجوع في الهبة كالرجوع في القيء، وهو حرام، فكذا الرجوع في الهبة. اهـ.
وقد روى البخاري "ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه" فهذا المثل ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضها. كذلك جاء في حديث "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته".
قال النووي: هذا الحديث ظاهر في تحريم الرجوع في الهبة والصدقة بعد إقباضهما، وهو محمول على هبة الأجنبي، أما إذا وهب لولده وإن سفل، فله الرجوع فيه، كما صرح به في حديث النعمان بن بشير، ولا رجوع في هبة الإخوة والأعمام وغيرهم من ذوي الأرحام، هذا مذهب الشافعي، وبه قال مالك والأوزاعي، وقال أبو حنيفة وآخرون: يرجع كل واهب، إلا الولد، وكل ذي رحم محرم. اهـ
ويجيب الحنفية عن هذا الحديث بأن الراجع في القيء هو الكلب، لا الرجل، والكلب غير متعبد، بتحليل ولا بتحريم، فلا يثبت منع الواهب من الرجوع، فالرسول صلى الله عليه وسلم ينزه أمته من أمثال الكلب، لا أنه أبطل أن يكون لهم الرجوع في هباتهم، وأما حديث "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته" فإنه لا يستلزم التحريم، وهو كقوله "لا تحل الصدقة لغني" فنفي الحل لا يستلزم الحرمة.
كما يستدلون بحديث "الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها" رواه ابن ماجه والدارقطني، وحديث "من وهب هبة فهو أحق بهبته ما لم يثب منها" رواه الطبراني.
ويحملون هذا الحديث ونحوه على كراهة التنزيه. والله أعلم.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - استدل بالحديث بعضهم على جواز بيع الموقوف، إذا بلغ غاية لا يتصور الانتفاع به فيما وقف له، وهذا الاستدلال مبني على أن عمر حبس هذا الفرس ووقفه على الجهاد، وهذا يفتقر إلى دليل، والظاهر أن حمل الفرس كان حمل تمليك، لا حمل تحبيس.
واستثنى العلماء من عموم عدم الرجوع في الهبة صورًا. قال الطبري: يخص من عموم هذا