للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحديث من وهب بشرط الثواب، ومن كان والدًا والموهوب له ولده، والهبة التي لم تقبض، والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك، وأما ما عدا ذلك، كالغني يثيب الفقير، ونحو من يصل رحمه، فلا رجوع لهؤلاء، قال: ومما لا رجوع فيه مطلقًا الصدقة، يراد بها ثواب الآخرة.

٢ - وأخذ بعضهم من قول عمر: حملت على فرس عتيق في سبيل الله جواز إذاعة عمل البر، وتعقب بأن كتمان عمل البر أفضل، لكن عمر رضي الله عنه تعارض عنده المصلحتان، الكتمان، وتبليغ الحكم الشرعي، فرجح الثاني، فعمل به، وتعقب بأنه كان يمكنه أن يقول: حمل رجلاً على فرس مثلاً، ولا يقول: حملت، فيجمع بين المصلحتين، قال الحافظ ابن حجر: والظاهر أن محل رجحان الكتمان إنما هو قبل الفعل وعنده، وأما بعد وقوعه فلعل الذي أعطيه أذاع ذلك، فانتقى الكتمان، ويضاف إليه أن في إضافته ذلك إلى نفسه تأكيدًا لصحة الحكم المذكور، لأن الذي تقع له القصة أجدر بضبطها ممن ليس عنده إلا وقوعها بحضوره، فلما أمن ما يخشى من الإعلان بالقصة، صرح بإضافة الحكم إلى نفسه، ويحتمل أن يكون محل ترجيح الكتمان لمن يخشى على نفسه من الإعلان، العجب والرياء، أما من أمن من ذلك كعمر فلا. اهـ.

وفي هذا القول نظر، فإن كتمان عمل البر مطلوب قبل فعله، وعند فعله، وبعد فعله، واحتمال أن الذي أعطيه أذاع ذلك لا يبنى عليه حتى ولو تأكد أنه ذاع، ولو أن تأكيد الصحة والضبط يفتح الباب للإعلان لأعلن كل من فعل برًا، وأما أن الأمن من الرياء يبيح الإعلان فغير مسلم، لأن الكتمان من حكمته عدم جرح مشاعر المعطى، وخاصة في مثل هذه الواقعة التي أساء فيها بائع الفرس بإضاعته.

والظاهر أن عمر رضي الله عنه رأى في القصة هضمًا لنفسه، وخطأ كاد يقع فيه، وقصدًا لا يقصده أهل المروءات، وقربًا من الوقوع في زلة شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم بفعل أحقر الحيوانات، فذكر القصة على أنه كاد يسيء لا على أنه فعل برًا ومعروفًا، كما يقول المتصدق: تصدقت ومننت بصدقتي، فليس مقصوده إعلان البر، بل مقصوده إعلان الخطأ، والله أعلم.

٣ - وفي الحديث فضل الحمل في سبيل الله، والإعانة على الغزو بكل شيء.

٤ - وأن الحمل في سبيل الله يعطي المحمول حق بيعه، والانتفاع به، والانتفاع بثمنه.

٥ - وفيه ما كان عليه عمر رضي الله عنه من جهاد بالمال، ويقظة وحيطة من الوقوع في الأخطاء الشرعية.

٦ - وفيه جواز استخدام الألفاظ المستقذرة عند إرادة التنفير، ليرتدع من تسول له نفسه الوقوع في الزلل، أو الاستهانة بالحكم الشرعي.

والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>