بالحلف، فقد ثبت في الحديث الصحيح "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره" اهـ وأشم في كلام الحافظ ابن حجر رحمه الله طنطنة بعض الصوفية، والإقسام في الحديث الذي ساقه مراد به الرجاء، كقول الصحابي: أقسمت عليك يا رب أن لا تغيب شمس هذا اليوم حتى أطأ بعرجتي في خضر الجنة "فلم تغب شمس اليوم حتى كان شهيدًا، فقد رجا، وتحقق رجاؤه، والرجاء والتمني من باب واحد، وبينهما وبين الحلف بعد، ومن المستبعد حقًا على عامة المسلمين، فضلاً عن الأنبياء أن يقسموا على غيبي عند الله، لا يملكون منه شيئًا، وهو الحمل، وأن يكون ذكرًا، وأن يعيش، وأن يكون فارسًا، وأن يجاهد في سبيل الله.
(فتلد كل واحدة منهن غلامًا فارسًا) سمى الطفل المولود غلامًا وفارسًا باعتبار ما سيكون، لشدة تعلقه بالهدف من الحمل.
(فلم تحمل منهن إلا واحدة) معطوف على محذوف، تقديره: فطاف عليهن، وقد صرح به في الرواية الرابعة، وفي الرواية الثانية "فلم تأت واحدة من نسائه" أي بمولود، وفي الرواية الثالثة "فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة "والمقصود من نفي الولادة نفي الحمل.
(فولدت نصف إنسان) في الرواية الثانية "جاءت بشق غلام" وفي الرواية الرابعة "بشق رجل" وفي رواية للبخاري "ولم تحمل شيئًا إلا واحدًا ساقطًا أحد شقيه" قال النووي: قيل: هو الجسد الذي ذكره الله تعالى أنه ألقى على كرسيه، في قوله {ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدًا ثم أناب}[ص: ٣٤]. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: كذا حكاه النقاش في تفسيره، وهو صاحب مناكير وقال غير واحد من المفسرين: إن المراد بالجسد المذكور في الآية شيطان، وهو المعتمد، قال مجاهد:{ألقينا على كرسيه جسدًا} شيطانًا، يقال له: آصف، قال له سليمان: كيف تفتن الناس؟ قال: أرني خاتمك أخبرك، فأعطاه، فرماه آصف في البحر، فذهب ملك سليمان، وقد آصف على كرسيه، وتقمص شخصية سليمان، وقام يحكم بين الناس، ومنعه الله نساء سليمان، فلم يقربهن، وفي رواية أن الشيطان أتاهن في حيضهن، وأعطت امرأة حوتًا لسليمان، فلما فتح بطنه وجد خاتمه في بطنه، فرد الله له ملكه، وفر آصف، فدخل البحر. اهـ.
فالمراد بالجسد الذي ألقي على الكرسي - على ما قاله النووي - هو شق الإنسان الذي ولد له، ومعنى إلقائه على كرسيه، وضع القابلة له عليه ليراه.
والمراد من الجسد - على ما اعتمده الحافظ ابن حجر - الشيطان، وأطلق عليه "جسد" لأنه إنما تمثل بصورة غيره، وهو سليمان عليه السلام، وتلك الصورة المتمثلة ليس فيها روح صاحبها الحقيقي، وإنما حل في قالبها ذلك الشيطان، فلذا سمي جسدًا، وعبارة القاموس صريحة في أن الجسد يطلق على الجني.
والذي اعتمده الحافظ ابن حجر، ليس معتمدًا عند المحققين من المفسرين، رغم أن روايته