قال القاضي: أجمع المسلمون على أن قول: "إن شاء الله" يمنع انعقاد اليمين، إذا كان متصلاً باليمين، ولا خلاف في ذلك إذا كان اليمين بالله تعالى.
قال: واختلفوا في الاتصال، فقال مالك والأوزاعي، والشافعي والجمهور: هو أن يكون قوله "إن شاء الله" متصلاً باليمين، من غير سكوت بينهما، قال مالك: إذا سكت، أو قطع كلامه، فلا استثناء، وقال الشافعي: يشترط وصل الاستثناء بالكلام الأول، ووصله أن يكون نسقًا، فإن كان بينهما سكوت انقطع، إلا إن كانت سكتة تذكر، أو تنفس، أو مرض عي، أو انقطاع صوت، وكذا يقطعه الأخذ في كلام آخر.
وعن طاووس والحسن وجماعة من التابعين أن له الاستثناء ما لم يقم من مجلسه، وعن أحمد نحوه، وقال: مادام في ذلك الأمر. وقال قتادة: ما لم يقم، أو يتكلم، وعن عطاء: قدر حلب ناقة. وقال سعيد بن جبير: إلى أربعة أشهر، وعن مجاهد سنتين، وعن ابن عباس أقوال: شهر. أربعة أشهر. سنة. له الاستثناء أبدًا، متى تذكره. قال أبو عبيد: وهذا لا يؤخذ على ظاهره، لأنه يلزم منه أن لا يحنث أحد في يمينه، وأن لا تتصور الكفارة التي أوجبها الله على الحالف، ووجه ما ورد عن هؤلاء بأن مرادهم سقوط الإثم عن الحالف، لتركه التبرك بقوله "إن شاء الله" لأنه مأمور به، في قوله تعالى {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدًا * إلا أن يشاء الله}[الكهف: ٢٣، ٢٤] فكأنهم يقولون: إذا نسي أن يقول: إن شاء الله، يستدركه، ولم يريدوا أن الحالف، إذا قال ذلك بعد أن ينقضي كلامه، أن ما عقده باليمين ينحل، وأنه بذلك يمنع الحنث.
واتفق العلماء - كما حكاه ابن المنذر - على أن شرط الحكم بالاستثناء أي يتلفظ به المستثنى، وأنه لا يكفي القصد إليه بغير لفظ، وحكي عن بعض المالكية صحة الاستثناء بالنية، من غير لفظ.
وهل يعمل بالاستثناء في غير اليمين بالله؟ قال النووي: مذهب الشافعي والكوفيين وأبي ثور وغيرهم صحة الاستثناء في جميع الأشياء، حتى في الطلاق والعتق، فلو قال: أنت طالق إن شاء الله، أو أنت حر إن شاء الله، أو أنت علي كظهر أمي إن شاء لله، أو لزيد في ذمتي ألف درهم إن شاء الله، أو إن شفى الله مريضي فلله علي صوم شهر إن شاء الله، صح الاستثناء في كل ذلك، ولا ينعقد، ولا حنث.
وقال مالك والأوزاعي: لا يصح الاستثناء في شيء من ذلك، إلا اليمين بالله تعالى، وحكي عن الأوزاعي وطاووس: لا يدخل الاستثناء في الطلاق والعتق والمشي إلى بيت الله، وعن مالك مثله، وعنه مثله إلا المشي، وقال الحسن وقتادة وابن أبي ليلى والليث: يدخل في الجميع إلا الطلاق، وعن أحمد: يدخل في الجميع إلا العتق، واحتج بتشوف الشارع له.