للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أصحابنا: لا يصح، وقال المغيره المخزومي وأبو ثور والبخاري وابن جرير وبعض أصحابنا: يصح، وحجتهم ظاهر حديث عمر، وأجاب الأولون عنه أنه محمول على الاستحباب، أي يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية. اهـ.

وموطن الخلاف. هل ينعقد النذر في حال جاهليته، ويجب عليه الوفاء به في حال إسلامه؟ أم لا ينعقد، ولا يجب عليه في حال إسلامه الوفاء به؟ أما أنه بعد إسلامه يستحب له أن يأتي بالمنذور إذا كان طاعة؟ فلا نقاش فيه، فالطاعة مطلوبة بغير النذر. وظاهر قوله صلى الله عليه وسلم: "أوف بنذرك" أنه طلب من عمر أداء الطاعة على أنها وفاء بالنذر، فهو منعقد صحيح، وبه قال أحمد في رواية عنه، وعارض الحافظ ابن حجر في نسبة ذلك للبخاري، فقال: إن وجد عن البخاري التصريح بالوجوب قبل - أي ولم يوجد - وإلا فمجرد ترجمته (باب إذا نذر أو حلف أن لا يكلم إنسانًا في الجاهلية، ثم أسلم) لا يدل على أنه يقول بوجوبه، لأنه محتمل لأن يقول بالندب، فيكون تقدير جواب الاستفهام، يندب له ذلك.

وموقف الجمهور من حديث عمر موقف صعب، فبعضهم يقول: لم يؤمر عمر على جهة الإيجاب، بل على جهة المشورة. قال القابسي، وفيه نظر، وإلا لحولنا كل الأوامر لنحو ذلك بدون قرينة.

وبعضهم يقول: أراد صلى الله عليه وسلم أن يعلمهم أن الوفاء بالنذر من آكد الأمور، فغلظ أمره، بأن أمر عمر بالوفاء وهو كالأول، يحول الأمر إلى غير الظاهر بدون قرينة.

وبعضهم يقول: يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم فهم من عمر أنه يجب أن يفعل ما كان نذره، فأمره به، على أنه حينئذ طاعة لله تعالى، فكان ما أمره به، غير ما نذره. قاله الطحاوي، وهذا إن احتملته رواية "اذهب فاعتكف يومًا" لا تحتمله رواية "فأوف بنذرك".

وبعضهم يقول: إن عمر لما نذر في الجاهلية، ثم أسلم، أراد أن يكفر ذلك بمثله، أي بنية مثله في الإسلام، فلما أراده ونواه سأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأعلمه أنه لزمه، قاله ابن العربي، ثم قال: وكل عبادة ينفرد بها العبد عن غيره تنعقد بمجرد النية العازمه الدائمة، كالنذر في العبادة والطلاق في الأحكام، وإن لم يتلفظ بشيء من ذلك. اهـ ومعنى ذلك أن النذر المأمور بوفائه غير نذر الجاهلية، ومن أين لرسول الله صلى الله عليه وسلم، العلم بنية عمر؟ بل نقل بعض المالكية الاتفاق على أن العبادة لا تلزم إلا بالنية مع القول، أو مع الشروع، فلا يلزم هذا النذر المنوي، ثم ظاهر كلام عمر مجرد الإخبار بما وقع، مع الاستخبار عن حكمه، هل لزم أولا؟ وليس فيه ما يدل على ما ادعاه ابن العربي من تجديد نية منه في الإسلام. والذي اضطر الجمهور إلى هذا أن الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشريعة، وعلى القول بأنهم مخاطبون بها، فمعناه أنهم محاسبون عليها، لكن لا تنعقد، ولا تصح منهم العبادة وهم كافرون، ونذر الطاعة نفسه عبادة، فلا يصح منهم، ولا ينعقد.

وقال بعض من أوجبه: إن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، وإن كانت هذه الفروع لا تصح منهم إلا بعد أن يسلموا، فأمر عمر وجوبًا بوفاء ما التزمه في الشرك، وتعقب بأن الواجب بأصل الشرع

<<  <  ج: ص:  >  >>