للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حقنوا دماءهم، ودفعوا دية القتيل، وإن رفضوا الحلف كان عليهم القود والقصاص، وإن لم يحلف أولياء القتيل، ولا بينة عندهم لم يستحقوا شيئًا، وبخاصة إذا حلف المدعى عليهم، أو إذا لم يقبل المدعون أن يحلفوا.

كان في هذه القسامة محاذير بالنسبة لقواعد الإسلام، قوم يحلفون لمجرد الظن، ولم يروا، ولم يحضروا، ولم يجزموا بحقيقة. فكيف تقبل أيمانهم؟ وقوم يستحلفون لمجرد اتهام، لا تقوم عليه أدلة. لماذا يستحلفون؟ وكيف يطالبون بدية قتل لم يثبت عليهم؟ إن هذه الأحكام تتيح لتلفيق التهم مجالاً فسيحًا، وتفتح لإلصاق الجرائم بالبراء بابًا واسعًا، وفي المقابل، لولا هذه الأحكام لأهدرت دماء يجب حقنها، ولتمكن المجرمون من ارتكاب جرائمهم، والهروب من العقاب بل ولتمالأ أهلوهم معهم، وتستروا على جرائمهم، إنها - بحق - قضية شائكة، طرفاها لا يتسمان بالعدالة الظاهرة، وكل من الحكمين فيها لا يخلو من مجاوزة على المحكوم عليه. ولكن أحد الحكمين - وهو القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية - أقل ضررًا، وأكثر نفعًا من الحكم الآخر، واحتمال أخف الضررين واجب، من هنا أقر الإسلام القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية، ومن هنا أعذر بعض العلماء الذين لم يقروا بها، ولم يعملوها، ولم يجوزوها، بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرضها، ولم ينفذها، فلم يقتص بها، ولم يفرض الدية على المتهمين بناء عليها، بلد دفعها من عنده، ولم يثبت أن أبا بكر قضى بها ونفذها في حادثة واحدة، ولم يثبت أن عمر قضى بها ونفذها في حادثة واحدة، فهل يعقل أن نحوًا من ثلاث عشرة سنة لا تقع فيها حادثة تقتضي القسامة؟ معذورون أولئك المتوقفون عن القسامة وإن كانوا قليلين، ومأجورون أولئك القائلون بها، مأجورون، بحسن القصد، وإخلاص النية، والعمل بالسنة، وليس كل ما كان في الجاهلية مذمومًا، فهناك الكثير مما كان فيها وأقره الإسلام مراعاة لمصالح العباد، وعلى الله قصد السبيل.

-[المباحث العربية]-

(القسامة) بفتح القاف، وفتح السين مخففة، هي مصدر أقسم قسمًا وقسامة، وهي الأيمان تقسم على أولياء القتيل، إذا ادعوا الدم، أو على المدعى عليهم بالدم، وخص القسم على الدم بلفظ القسامة، وقال إمام الحرمين: القسامة عند أهل اللغة اسم للقوم الذين يقسمون، وعند الفقهاء اسم للأيمان، وقال في المحكم: القسامة: الجماعة يقسمون على الشيء، أو يشهدون به، ويمين القسامة منسوب إليهم، ثم أطلقت على الأيمان نفسها.

(خرج عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصة بن مسعود بن زيد، حتى إذا كانا بخيبر تفرقا في بعض ما هنالك) أي في الأماكن هنالك، و"محيصة" بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الياء المكسورة. و"حويصة" بضم الحاء وفتح الواو وتشديد الياء المكسورة، وحكي تخفيف الياء في الاسمين معًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>