في سنة سبع من الهجرة وفي غزوة خيبر، أو في سنة ثمان في غزوة حنين، وفي معسكر المسلمين، دخل قزمان الظفري على رسول الله صلى الله عليه وسلم وحوله جماعة من أصحابه، فلما انصرف الرجل قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمن حوله: من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى ذلك الرجل، وظن السامعون أنه منافق، وحرصوا على متابعته والاطلاع على تصرفاته، وبدأ القتال بين المسلمين والكفار، وإذا بالرجل يصول ويجول، ويعمل سيفه مرة، ونبله أخرى في المشركين، يقتل منهم ويجرح، ولا يدع منهم شاردة ولا واردة، ولا شاذة ولا فاذة إلا أعمل فيها سيفه، مثل رائع من أمثلة البطولة، وصورة فذة من صور الشجاعة والإقدام ومحاربة المشركين، ودهش الذين سمعوا عنه ما سمعوا من الرسول صلى الله عليه وسلم، وما كادوا يصدقون ما رأوا، وهم يصدقون ما سمعوا، وأقبل الظلام، ورجع المسلمون إلى عسكرهم، والكفار إلى عسكرهم، كل يستعد للقاء الآخر في اليوم الثاني، ودخل الجماعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله. الرجل الذي قلت عنه إنه من أهل النار قاتل اليوم قتالا لم يقاتله أحد منا، وكان من أشد الناس على المشركين، فلم يترك شاردة ولا واردة منهم إلا اتبعها بسيفه. قال صلى الله عليه وسلم: أما إنه من أهل النار. وكاد القوم يفتنون ويرتابون ويشكون. قالوا: يا رسول الله، أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار؟ وقال أخباث المنافقين: يا رسول الله، إذا كان فلان في عبادته واجتهاده ولين جانبه وحسن بلائه من أهل النار فأين نحن؟ قال صلى الله عليه وسلم: هو في النار.
نظر القوم بعضهم إلى بعض في حيرة من الأمر، ودهشة من الخبر قال قائل منهم، وهو أكثم بن أبي الجون الخزاعي: أنا أكفيكم أمر هذا الرجل، دعوني أتبعه وألازمه، فخرج في الصباح معه، كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه، فجرح الرجل جرحا شديدا أقعده وأثبته، وظن بعضهم أنه مات، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: إن الرجل قد استشهد، فقال صلى الله عليه وسلم: هو في النار، وذهل القوم، وبينما هم في ذهولهم إذ جاءهم "مسرعا" صاحبهم الذي لازمه، يقول بأعلى صوته، وقبل أن يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم: أشهد أنك رسول الله، قال: وما ذاك؟ قال: صدق الله حديثك يا رسول الله، إن الرجل الذي قلت عنه إنه من أهل النار أصابته جراحة شديدة، فلم يصبر عليها، فلما جاء الليل أخرج سهما من كنانته، وحاول أن ينحر بها نفسه، فلما لم يساعده السهم، ولم يقض عليه، وضع نصل سيفه بالأرض وذبابه إلى أعلى، ثم حرره بين ثدييه، وتحامل عليه، فخرج من ظهره ومن بين كتفيه، فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الله أكبر، أشهد أني عبد الله ورسوله، إن العبد ليعمل بعمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، تدركه الشقاوة أو السعادة عند خروج نفسه، فيختم له بها، العمل بخواتيمه، العمل بخواتيمه، قم يا بلال، وقم يا ابن الخطاب، وقم يا ابن عوف، فنادوا في الناس: أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة بالقدر، مسلمة بالقضاء، وإن الله يؤيد الإسلام بالرجل الفاجر.