(شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا) أي غزوة حنين وكانت في شوال سنة ثمان من الهجرة، "وحنين" واد إلى جنب ذي المجاز، قريب من الطائف، بينه وبين مكة بضعة عشر ميلا من جهة عرفات، وفي رواية البخاري "خيبر" بدل "حنين" وكانت غزوة خيبر في المحرم سنة سبع من الهجرة، وخيبر كانت مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على مسافة مائة وخمسة وخمسين كيلو مترا من المدينة إلى جهة الشام.
(فقال لرجل) الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخاطب الرجل بذلك ولم يسمعه، فاللام بمعنى "عن" مثلها في قوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه}[الأحقاف: ١١] ويحتمل أن تكون بمعنى "في" أي قال في شأن رجل، مثلها في قوله تعالى:{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}[الأنبياء: ٤٧] أي في يوم القيامة، واسم الرجل "قزمان الظفري" وكان قد تخلف عن المسلمين يوم أحد، فعيره النساء، فخرج حتى صار في الصف الأول، فكان أول من رمى بسهم.
(ممن يدعى بالإسلام) أي ممن يتصف ظاهرا بالإسلام، وفي رواية البخاري "ممن يدعى الإسلام".
(فأصابته جراحة) أفادت بعض الروايات أنه أصابه سهم.
(الرجل الذي قلت له) أي عنه، أو في شأنه.
(آنفا) أي قريبًا، وفيه لغتان: المد والقصر، والمد أفصح.
(فكاد بعض المسلمين أن يرتاب) ويتشكك في إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الرجل، وهو في الأصول "أن يرتاب" بإثبات "أن" في خبر كاد، وهو قليل جائز، وورد في بعض الروايات بدون "أن"، و"كاد" لمقاربة الفعل ولم يفعل إذا لم يتقدمها نفي، فإن تقدمها كقولك: ما كاد يقوم، كانت دالة على القيام. لكن بعد بطء.
(فبينما هم على ذلك إذ قيل إنه لم يمت)"بينما" أصله "بين" زيدت عليه "ما" وهو من الظروف الزمانية الملازمة للإضافة إلى الجملة، ولا بد لها من جواب، وهو العامل فيها إذا كان مجردا من كلمة المفاجأة، وإلا فالعامل معنى المفاجأة. كما هنا، والتقدير فاجأهم قول الناس: إنه لم يمت وقت قرب ارتيابهم.
(لكن به جراحا شديدا) كذا هو في الأصول "جراحا شديدا" ومقتضى القواعد النحوية "شديدة" ولعله على اعتبار كلمة "جراح" اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحده بالتاء - جراح وجراحة- فيذكر ويؤنث.