٦ - ومن "قول عمر" فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله" كرامة من كرامات عمر رضي الله عنه ويحتمل أنه علم بذلك من جهة النبي صلى الله عليه وسلم.
٧ - ومن قوله "إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف" قال النووي: وأجمعوا على أن البينة أربعة شهداء ذكور وعدول، هذا إذا شهدوا على نفس الزنا، ولا يقبل دون الأربعة، وإن اختلفوا في صفاتهم. وأجمعوا على وجوب الرجم على من اعترف بالزنا، وهو محصن، يصح إقراره بالحد واختلفوا في اشتراط تكرار إقراره أربع مرات. وأما الحبل وحده فمذهب عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجوب الحد به، إذا لم يكن لها زوج ولا سيد، وتابعه مالك وأصحابه، فقالوا: إذا حبلت، ولم يعلم لها زوج ولا سيد، ولا عرفنا إكراهها، لزمها الحد، إلا أن تكون غريبة طارئة، وتدعي أنه من زوج أو سيد، قالوا: ولا تقبل دعواها الإكراه، إذا لم تقم بالاستغاثة عند الإكراه، قبل ظهور الحمل. وقال الشافعي وأبو حنيفة وجماهير العلماء: لا حد عليها بمجرد الحبل، سواء كان لها زوج أو سيد، أم لا، سواء الغريبة وغيرها، وسواء ادعت الإكراه أم سكتت، فلا حد عليها مطلقًا، إلا ببينة أو اعتراف، لأن الحدود تسقط بالشبهات. والحق مع الجمهور، فالحمل يحصل بوسائل كثيرة غير الزنا، وبخاصة في هذه الأزمنة التي تقدم فيها العلم. والله أعلم.
٨ - ومن الرواية الرابعة إلى العاشرة قصة ماعز والغامدية من إعراض الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماعز التعريض للمقر بالزنا، بأن يرجع، ويقبل رجوعه، وجاء عن مالك رواية: أنه لا أثر لرجوعه، وهو ضعيف.
٩ - واحتج أبو حنيفة وسائر الكوفيين وأحمد وموافقوهم بإقرار ماعز أربع مرات، على أن الإقرار بالزنا لا يثبت، ولا يرجم به المقر، حتى يقر أربع مرات، واشترط ابن أبي ليلى وغيره من العلماء، إقراره أربع مرات، في أربع مجالس، وقال مالك والشافعي وآخرون: يثبت الإقرار بالزنا بمرة واحدة، ويرجم، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم "واغد يا أنيس إلي امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" ولم يطلب إليه سماع أربعة إقرارات، وحديث الغامدية ليس فيه أربعة إقرارات، واستند الأولون إلى القياس على عدد شهود الزنا، دون غيره من الحدود، ورده الجمهور بأنه لو كان هذا القياس صحيحًا لم يقتل القاتل بإقراره حتى يقر مرتين، لأنه لا يقبل فيه إلا شاهدان، مع أن الجميع يتفقون على أنه يكفي فيه مرة واحدة.
والجمهور على أن إقرار ماعز المتعدد كان لزيادة التثبت من النبي صلى الله عليه وسلم.
١٠ - ومن سؤال أهل ماعز عنه استحباب تثبت الإمام، والمبالغة في هذا التثبت قدر الإمكان.
١١ - وفي الحديث منقبة عظيمة لماعز بن مالك، لأنه استمر على طلب إقامة الحد عليه، مع توبته، ليتم تطهيره، ولم يرجع عن إقراره، مع أن الطبع البشري يقتضي ألا يستمر على الإقرار، بما يقتضي إزهاق نفسه، فجاهد نفسه على ذلك، وغلب نفسه، وأقر من غير اضطرار إلى إقامة ذلك، مع وضوح الطريق إلى سلامته من القتل بالتوبة، ولا يقال لعله لم يعلم أن الحد بعد أن يرفع إلى الإمام يرتفع بالرجوع، لأنه في الرواية التاسعة قد طلب منه الرجوع والاستغفار والتوبة.