قصة ماعز، نعم حديث عبادة ناسخ لما شرع أولاً من حبس الزاني في البيوت، فنسخ الحبس بالجلد، وزيد الثيب بالرجم.
وقد قام الدليل على أن الرجم وقع بعد سورة النور، لأن نزولها كان في قصة الإفك سنة أربع أو خمس أو ست، والرجم كان بعد ذلك، فقد حضره أبو هريرة، وقد أسلم سنة سبع، وحضره ابن عباس، وقد جاء مع أمه إلى المدينة سنة تسع.
وقال القاضي عياض: شذت فرقة من أهل الحديث، فقالت: إن الجمع بين الجلد والرجم، خاص بالشيخ والشيخة - أي من جاوز الأربعين محصنًا - وأما الشباب المحصن، فيرجم فقط، وهذا من المذاهب المستغربة حكاها ابن المنذر وابن حزم عن أبي بن كعب. قال النووي: وهو مذهب باطل. ودافع عنه الحافظ ابن حجر بما هو غير مسلم.
٤ - ومن قوله في الرواية الثانية "خذوا عني. خذوا عني. فقد جعل الله لهن سبيلا ... إلخ" أن الآية الخامسة عشرة من سورة النساء، وهي قوله تعالى {فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا} غير معمول بظاهر حكمها، سواء قلنا: إن الحديث مبين لها، ومفسر لها، وهي محكمة، أو قلنا: إنها منسوخة بالآية التي في أول النور {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة} وقيل: إن آية النور في البكرين وآية النساء في الثيبين، والحديث مبين لها ومفسر، ويمكن أن يكون الحديث ناسخًا لها، على القول بأن السنة المشهورة تنسخ القرآن.
٥ - ومن الرواية الثالثة من قول عمر "فكان مما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها، ووعيناها، وعقلناها" وقوع النسخ في القرآن، وهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه، وقد وقع نسخ الحكم دون اللفظ، ومثل له بقوله تعالى {أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات}[المجادلة: ١٣] بعد قوله {فقدموا بين يدي نجواكم صدقة} وقوله {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفًا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} بعد قوله {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفًا من الذين كفروا}[الأنفال: ٦٥] كما وقع نسخ اللفظ والحكم جميعًا. قال النووي: فمما نسخ لفظه ليس له حكم القرآن في تحريمه على الجنب ونحو ذلك، وفي ترك الصحابة كتابة هذه الآية دلالة ظاهرة على أن المنسوخ لا يكتب في المصحف اهـ. وهو يشير بذلك إلى رواية للموطأ لهذا الحديث، وفيها أن عمر قال "والذي نفسي بيده. لولا أن يقول الناس: زاد عمر ما ليس في كتاب الله لكتبتها بيدي" والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" وأخرج النسائي أن مروان بن الحكم قال لزيد بن ثابت "ألا تكتبها في المصحف؟ قال: لا. ألا ترى أن الشابين الثيبين يرجمان؟ ولقد ذكرنا ذلك، فقال عمر: أنا أكفيكم. فقال: يا رسول الله، أكتبني آية الرجم. قال لا أستطيع" وأخرج الحاكم "قال عمر لزيد بن ثابت: لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: أكتبها؟ فكأنه كره ذلك" ثم قال عمر لزيد بن ثابت: ألا ترى أن الشيخ إذا زنى ولم يحصن جلد، وأن الشاب إذا زنى وقد أحصن رجم"؟ قال الحافظ ابن حجر: فيستفاد من هذا السبب في نسخ تلاوتها، وهو كون العلم على غير الظاهر من عمومها.