قال ذلك لعلي على سبيل التكريم له، وتفويض الأمر إليه في استيفاء الحد، ويحتمل أن عثمان رضي الله عنه أراد أن لا يضرب أخاه لأمه، وواليه على الكوفة أمام عامة الناس، ولذا نرى عليًا، وقد قبل التفويض، يأمر أحب وأقرب الناس إليه، ابنه الأكبر الحسن، ليقوم بالمهمة.
(ول حارها من تولى قارها) الحسن يخاطب أباه رضي الله عنهما، ويطلب منه أن يفوض هذه المهمة لأحد أقارب عثمان، فقوله "ول" فعل أمر، يقال: ولى بتشديد اللام - فلانًا الأمر جعله واليًا عليه، و"الحار" بتشديد الراء الساخن، ومن العمل شاقه وشديده، و"القار" بتشديد الراء البارد الهنيء الطيب، وهذا مثل من أمثال العرب، معناه: ول شدتها وأوساخها من تولى هنيئها ولذاتها، والضمير عائد إلى الخلافة والولاية، أي كما أن عثمان وأقاربه يتولون هنيء الخلافة، ويختصون به، يتولون نكدها وقاذوراتها، ومعناه: ليتول عثمان بنفسه هذا الجلد، أو ليول ذلك أقاربه الأدنين.
(فكأنه وجد عليه) أي فكأن عليًا غضب وتألم على ابنه، لرفضه أمره، وإن كان محقًا. يقال: وجد عليه، بفتح الجيم، يجد بكسرها، وجدًا بسكونها، وموجدة بكسرها، أي غضب عليه.
(فقال: يا عبد اللَّه بن جعفر) أي فطلب علي رضي الله عنه، من عبد الله بن أخيه جعفر بن أبي طالب أن يقوم بالمهمة.
(وكل سنة) أي الاقتصار على الأربعين سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وبلوغ الثمانين سنة خلفائه رضي الله عنهم، ومعناه أن عليًا رضي الله عنه يعظم آثار عمر رضي الله عنه، ويعتبر حكمه سنة، وأن أمره حق.
(وهذا أحب إلي) الإشارة قبل: إلى الثمانين التي فعلها عمر رضي الله عنه، وقيل: إن عليًا جلد الوليد ثمانين، والإشارة إلى فعله.
(ما كنت أقيم على أحد حدًا، فيموت فأجد منه في نفسي إلا صاحب الخمر) الفاء في "فيموت" للسببية، والفعل منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية، وكذا "أجد" معطوف على "يموت" ومعناه أحزن، والمراد من صاحب الخمر شاربها، والمعنى لم أكن أحزن على موت يتسبب عن إقامة حد إلا موت شارب الخمر المتسبب عن حده.
(لأنه إن مات وديته) بفتح الواو والدال وسكون الياء أي غرمت ديته، وأعطيتها لمن يستحق قبضها، وعند النسائي وابن ماجه عن علي رضي الله عنه قال:"من أقمنا عليه حدًا، فمات، فلا دية له، إلا من ضربناه في الخمر".
قال بعض العلماء:"فإنه إن مات وديته" بالفاء، لا باللام، وهكذا هو في رواية البخاري بالفاء.
(لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لم يسنه) أي لم يقدر فيه حدًا مضبوطًا، ولم يحدد فيه عددًا معينًا، فوق الأربعين وفي رواية "فإنما هو شيء صنعناه" أي فإنما تحديده بثمانين وقع باجتهاد منا في عهد عمر، تعزيرًا لا حدًا.