للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

-[فقه الحديث]-

حرمت الخمر بقوله تعالى {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون} [المائدة: ٩٠، ٩١]. والصحيح أنه كان في عام الفتح، قبل الفتح، وذهب بعضهم إلى أنه كان عام الحديبية سنة ست، قال الرازي في أحكام القرآن: يستفاد تحريم الخمر من هذه الآية من تسميتها رجسًا، وقد سمى الله به ما أجمع على تحريمه، وهو لحم الخنزير، كما يستفاد التحريم من قوله {من عمل الشيطان} فكل ما كان من عمل الشيطان حرم تناوله، ومن الأمر بالاجتناب، وهو للوجوب، وما وجب اجتنابه حرم تناوله، ومن الفلاح المرتب على الاجتناب، ومن كون الشرب سببًا للعداوة والبغضاء بين المؤمنين، وتعاطي ما يوقع ذلك حرام، ومن كونها تصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ومن ختام الآية بقوله تعالى {فهل أنتم منتهون} فإنه استفهام معناه الردع والزجر، ولهذا قال عمر لما سمعها: انتهينا. انتهينا. اهـ.

وقد روى البخاري "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها، حرمها في الآخرة" وروى "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن".

قال الحافظ ابن حجر: وقد انعقد الإجماع على أن القليل من الخمر المتخذ من العنب يحرم، كما يحرم كثيره، وقال في موضع آخر: والمجمع على تحريمه عصير العنب إذا اشتد، فإنه يحرم تناول قليله وكثيره بالاتفاق، وحكى ابن قتيبة عن قوم من مجان أهل الكلام أن النهي عنها للكراهة، وهو قول مهجور، لا يلتفت إلى قائله، وحكى أبو جعفر النحاس عن قوم أن الحرام ما أجمعوا عليه، وما اختلفوا فيه ليس بحرام، قال: وهذا عظيم من القول، يلزم منه القول بحل كل شيء اختلف في تحريمه، ولو كان مستند الخلاف واهيًا. ونقل الطحاوي في "اختلاف العلماء" عن أبي حنيفة: الخمر حرام قليلها وكثيرها، والسكر من غيرها حرام، وليس كتحريم الخمر، والنبيذ المطبوخ لا بأس به، من أي شيء كان، وإنما يحرم منه القدر الذي يسكر، وعن أبي يوسف: لا بأس بالنقيع من كل شيء، وإن غلى، إلا الزبيب والتمر. قال: وكذا حكاه محمد عن أبي حنيفة، وعن محمد: ما أسكر كثيره، فأحب إلي أن لا أشربه، ولا أحرمه، وقال الثوري: أكره نقيع التمر إذا غلي، ونقيع العسل لا بأس به.

وقد ذكرنا في المباحث العربية معنى الخمر، وأصل اشتقاقها في اللغة، وأما المراد منها في عرف الشرع واصطلاحه، فالحنفية يقصرونها على ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة. والجمهور على أن المراد بها ما خامر العقل من الشراب، ويستدلون بما رواه البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "خطب عمر على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه قد نزل تحريم الخمر، وهي من خمسة أشياء: العنب والتمر والحنطة والشعير والعسل، والخمر ما خامر العقل" وسئل ابن عمر عن شيء يصنع بالسند من الأرز؟ فقال: ذاك لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: أو قال: على عهد عمر - وفي رواية مكان "العنب". "والزبيب" قال الحافظ ابن حجر: هذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب

<<  <  ج: ص:  >  >>