للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في الأحاديث المرفوعة، لأن له عندهم حكم الرفع، لأنه خبر صحابي، شهد التنزيل، أخبر عن سبب نزول الآية، وقد خطب به عمر على المنبر، بحضرة كبار الصحابة وغيرهم، فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره، وأراد عمر بنزول تحريم الخمر الآية المذكورة في سورة المائدة {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر .... } فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصًا بالمتخذ من العنب، بل يتناول المتخذ من غير العنب، قال الحافظ: ويوافقه حديث أنس الذي رواه البخاري "قال أنس: كنت قائمًا على الحي أسقيهم الفضيخ، فجاء آت، فقال: إن الخمر قد حرمت. فقال أبو طلحة: قم يا أنس، فاهرقها، قال: فهرقتها" وفي رواية "أن أنس بن مالك حدثهم أن الخمر حرمت، والخمر يومئذ البسر والتمر" والفضيخ اسم للبسر إذا نبذ، والبسر الذي يحمر أو يصفر، قبل أن يترطب. وفي رواية عن أنس "وإنا نعدها يومئذ الخمر".

فحديث أنس يدل على أن الصحابة فهموا من تحريم الخمر تحريم كل مسكر، سواء كان من العنب أم من غيرها، وقد جاء هذا الذي قاله عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم صريحًا، أخرجه أصحاب السنن الأربعة، وصححه ابن حبان، فعند أبي داود وابن حبان، عن النعمان بن بشير، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الخمر من العصير والزبيب، والتمر والحنطة والشعير والذرة، وإني أنهاكم عن كل مسكر" ولأبي داود بلفظ "إن من العنب خمرًا، وإن من التمر خمرًا، وإن من العسل خمرًا، وإن من البر خمرًا، وإن من الشعير خمرًا" وكذا لأصحاب السنن.

فعمر رضي الله عنه على المنبر لم يكن في مقام تعريف اللغة، بل كان في مقام تعريف الحكم الشرعي، فكأنه قال: "الخمر الذي وقع تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل".

ثم إن الحكم الشرعي ينزل على ما يعهده المخاطبون وقد أخرج البخاري عن ابن عمر - رضي الله عنهما - "نزل تحريم الخمر، وإن بالمدينة يومئذ خمسة أشربة، ما فيها شراب العنب".

ماذا يقول الحنفية في هذه الأحاديث؟

جعل الطحاوي هذه الأحاديث متعارضة. حديث لأبي هريرة في صحيح مسلم "الخمر من هاتين الشجرتين، النخلة والعنبة" فكون الخمر من شيئين يعارض حديث عمر والنعمان بن بشير وابن عمر، وأنس يعد الخمر في البر والتمر. فلما اختلفت الصحابة في ذلك، ووجدنا اتفاق الأمة على أن عصير العنب إذا اشتد وغلي وقذف بالزبد، فهو خمر، ومستحله كافر، دل على أنهم لم يعملوا بحديث أبي هريرة، إذ لو عملوا به لكفروا مستحل نبيذ التمر، فثبت أنه لم يدخل في الخمر غير المتخذ من عصير العنب. اهـ.

ورد عليه الحافظ ابن حجر بقوله: لا يلزم من كونهم لم يكفروا مستحل نبيذ التمر أن يمنعوا تسميته خمرًا، فقد يشترك الشيئان في التسمية، ويفترقان في بعض الأوصاف، مع أن الطحاوي يوافق على أن حكم المسكر من نبيذ التمر حكم قليل العنب في التحريم، فلم تبق المشاحة إلا في التسمية، والجمع بين حديث أبي هريرة وغيره بحمل حديث أبي هريرة على الغالب والكثير، وليس في

<<  <  ج: ص:  >  >>