للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحد المذكور قدره، إما اجتهادًا، بناء على جواز دخول القياس في الحدود، فيكون الكل حدًا، أو استنبطوا من النص معنى يقتضي الزيادة في الحد، لا النقصان منه، أو القدر الذي زادوه كان على سبيل التعزير، تحذيرًا وتخويفًا، لأن من احتقر العقوبة إذا عرف أنها غلظت في حقه، كان أقرب إلى ارتداعه، فيحتمل أنهم ارتدعوا بذلك، ورجع الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك، فرأى علي رضي الله عنه الرجوع إلى الحد المنصوص، وأعرض عن الزيادة، لانتفاء سببها، ويحتمل أن يكون القدر الزائد كان عندهم خاص بمن تمرد، وظهرت منه أمارات الاشتهار بالفجور، ويدل على ذلك أن في بعض الروايات عند الدارقطني وغيره "فكان عمر إذا أتي بالرجل الضعيف، تكون منه الزلة، جلده أربعين" وكذلك عثمان، جلد أربعين وثمانين.

وقد فهم بعضهم من قول علي رضي الله عنه في الرواية الخامسة "لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه" أن مراده لم يشرع في الخمر حدًا معينًا أصلاً، لا دون الأربعين ولا الزيادة عليها، قال المازري: لو فهم الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم حد في الخمر حدًا معينًا، لما قالوا فيه بالرأي، كما لم يقولوا بالرأي في غيره، فلعلهم فهموا أنه ضرب فيه باجتهاده في حق من ضربه. اهـ وقد يستأنس لهذا القول بما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير قال: "كان الذي يشرب الخمر يضربونه بأيديهم ونعالهم، فلما كان عمر فعل ذلك، حتى خشي، فجعله أربعين سوطًا، فلما رآهم لا يتناهون جعله ثمانين سوطًا". فظاهره أن عمر كان يضرب دون عدد، ثم جعله أربعين، وهذا الظاهر مستبعد، لورود النص بالأربعين في روايتنا الثانية، وإنما مراد رواية عبد الرزاق أن عمر جعل السوط آلة، بعد أن كان الضرب باليد والنعال، قال الحافظ ابن حجر: فيحمل النفي في قوله "لم يسنه" على أنه لم يحد الثمانين، أي لم يسن الثمانين وقيل: أي لم يسن شيئًا زائدًا على الأربعين، وعلى هذا فقوله، في روايتنا الخامسة "لو مات لوديته" أي لو مات بسبب ما زاد على الأربعين وبذلك جزم البيهقي وابن حزم، ويحتمل أن يكون الضمير في "لم يسنه" لصفة الضرب، وكونها بسوط الجلد، أي لم يسن الجلد بالسوط، وإنما كان يضرب فيه بالنعال وغيرها، أشار إلى ذلك البيهقي وابن حزم، وقال ابن حزم: لو جاء عن غير علي من الصحابة في حكم واحد أنه مسنون، وأنه غير مسنون، لوجب حمل أحدهما على غير ما حمل عليه الآخر، فضلاً عن علي، مع سعة علمه، وقوة فهمه، وإذا تعارض خبر عمير بن سعيد - روايتنا الخامسة - وخبر أبي ساسان - روايتنا الرابعة - فخبر أبي ساسان أولى بالقبول، لأنه مصرح فيه برفع الحديث عن علي، وخبر عمير موقوف على علي، وإذا تعارض المرفوع والموقوف قدم المرفوع.

قال القاضي عياض: أجمعوا على وجوب الحد في الخمر، واختلفوا في تقديره. وتعقب بأن الطبري وابن المنذر وغيرهما حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها، وإنما فيها التعزير، واستندوا إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج ومعمر: سئل ابن شهاب: كم جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر؟ فقال: لم يكن فرض فيها حدًا، كان يأمر من حضره أن يضربوا بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم: "ارفعوا" وما أخرجه أبو داود والنسائي بسند قوي، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقت في الخمر حدًا، قال ابن عباس: "وشرب رجل فسكر، فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حاذى دار العباس انفلت، فدخل على العباس، فالتزمه، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فضحك ولم يأمر فيه بشيء". وأخرج

<<  <  ج: ص:  >  >>