الطبري عن ابن عباس "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر إلا أخيرًا، ولقد غزا تبوك، فغشي حجرته من الليل سكران، فقال: ليقم إليه رجل، فيأخذه بيده، حتى يرده إلى رحله".
والجواب عن هذه الشبهة الواهية أن الإجماع انعقد بعد ذلك على وجوب الحد، لأن أبا بكر تحرى ما كان النبي صلى الله عليه وسلم ضرب السكران، فصيره حدًا، واستمر عليه، وكذلك استمر من بعده، وإن اختلفوا في العدد، وجمع القرطبي بين الأخبار، بأنه لم يكن أولاً في شرب الخمر حد، وعلى ذلك يحمل حديث ابن عباس في الذي استجار بالعباس، ثم شرع فيه التعزير، على ما في سائر الأحاديث التي لا تقدير فيها، ثم شرع الحد، ولم يطلع أكثرهم على تعيينه صريحًا، مع اعتقادهم أن فيه الحد المعين، ومن هنا توخى أبو بكر ما فعل بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فاستقر عليه الأمر، ثم رأى عمر ومن وافقه الزيادة على الأربعين، إما حدًا، وإما تعزيرًا. اهـ.
أما كيفية الضرب ففي روايتنا الأولى "فجلده بجريدتين" وفي روايتنا الثالثة "كان يضرب في الخمر بالنعال والجريد" وفي رواية للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قد شرب، فقال: اضربوه. قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، والضارب بنعله، والضارب بثوبه".
وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال، وهي ثلاثة أوجه عند الشافعية، أصحها يجوز الجلد بالسوط، ويجوز الاقتصار على الضرب بالأيدي والنعال والثياب، ثانيها يتعين الجلد، ثالثها يتعين الضرب.
وحجة جواز الأمرين أن أحدهما فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت نسخه، وفعل ثانيهما في عهد الصحابة فدل على جوازه، وأما تعين الجلد بالسوط فقد صرح به القاضي حسين من الشافعية، واحتج بأنه إجماع الصحابة، وتعقب بأنه لا يسلم فيه إجماع الصحابة، واعتبر النووي هذا القول شاذًا غلطًا ومنابذًا للأحاديث الصحيحة، وقال: أجمعوا على الاكتفاء بالجريد والنعال وأطراف الثياب. اهـ.
وأما تعين الضرب، ومنع الجلد بالسوط فقد جاء عن الشافعي في الأم: لو أقام عليه الحد بالسوط فمات، وجبت الدية. اهـ فسوى بينه وبين ما إذا زاد، فدل على أن الأصل الضرب بغير السوط. قال الحافظ ابن حجر: وتوسط بعض المتأخرين، فعين السوط للمتمردين، وأطراف الثياب والنعال للضعفاء، ومن عداهم بحسب ما يليق بهم. وهو متجه.
قال النووي: قال أصحابنا: وإذا ضربه بالسوط، يكون سوطًا معتدلاً في الحجم، بين القضيب والعصا، فإن ضربه بجريدة فلتكن خفيفة بين اليابسة والرطبة، ويضربه ضربًا بين ضربين، فلا يرفع يده فوق رأسه، ولا يكتفي بالوضع، بل يرفع ذراعه رفعًا معتدلاً.
-[ويؤخذ من الحديث فوق ما تقدم]-
١ - يؤخذ من قول عبد الرحمن بن عوف في الرواية الثانية "أرى أن تجعلها كأخف الحدود" جواز القياس.
٢ - ومن فعل عمر رضي الله عنه مشاورة القاضي والمفتي والحاكم أصحابه وحاضري مجلسه في الأحكام.