للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الله) الإشارة إلى المذكورات. الإشراك بالله، والزنا، والسرقة، وقتل النفس، أو قتل الأولاد على الرواية الثانية، زاد في الرواية الثانية "ولا يعضه بعضنا بعضًا" بفتح الياء والضاد، أي لا يؤذي بعضنا بعضًا، وقيل: لا يأتي بعضنا ببهتان على بعض، وقيل: لا يأتي بعضنا نميمة على بعض.

وزاد في الرواية الثالثة "ولا ننتهب، ولا نعصي" والانتهاب أخذ مال الغير مواجهة، وفي رواية البخاري "ولا تعصوا في معروف" وفيها "ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم" والبهتان الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء، لأن معظم الأفعال تقع بهما، ولأنها كانت العوامل والحوامل للمباشرة والسعي، وقد يعاقب الرجل بجناية قولية، ويقال: هذا بما كسبت يداك. ويحتمل أن يكون المراد: ولا تبهتوا الناس كفاحًا، وبعضكم يشاهد بعضًا، كما يقال: قلت كذا بين يدي فلان، أي بمشاهدته. فالعمدة الأيدي، وذكر الأرجل مبالغة وتأكيد، ويحتمل أن يراد بما بين الأيدي والأرجل القلب، لأنه الذي تترجم الجوارح عنه، وقيل: أصل هذا كان في بيعة النساء، وكني بذلك عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به، أو تلتقطه إلى زوجها، فجيء به كما هو لبيعة الرجال، وأريد به مطلق الافتراء.

فهل الإشارة إلى كل تلك المعاصي، ما كانت منها ذات حد، وما لم تكن ذات حد؟ ظاهر الرواية الثانية أن المراد ذوات الحدود وأن المراد بالعقوبة الدنيوية إقامة الحد، ولفظها "ومن أتى منكم حدًا، فأقيم عليه، فهو كفارته" على أن يستثنى من ذلك الشرك، لأن المرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل كفارة له، لهذا قيل: الإشارة لذوات الحدود المذكورة بعد الشرك، بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون.

وظاهر الروايات الأخرى أن الإشارة للمعاصي المذكورة، ذات الحدود وغيرها، ويشملها لفظ "ولا نعصي" في الرواية الثالثة، فالمراد بالعقوبة الدنيوية ما هو أعم من الحدود من نحو البلايا والمصائب التي تصيب، والرواية الأولى تعرضت لأمرين: معصية عوقب بها في الدنيا بالحد أو بالبلاء مع الستر فالله أكرم من أن يعاقبه على ذنب مرتين، ومعصية سترها الله، ولم يعاقب عليها في الدنيا بالبلاء، فأمر عقوبتها يوم القيامة إلى الله، وعلى هذا فالمراد من قوله في الرواية الثانية "ومن ستره الله عليه، فأمره إلى الله" أي من ستره الله عليه، ولم يعاقبه في الدنيا بالآلام والأسقام، فأمره إلى الله.

أما الرواية الثالثة فقد أشارت إلى الحالة الأخيرة فقط، وهي المعصية مع الستر، وعدم العقوبة في الدنيا.

-[فقه الحديث]-

قال القاضي عياض: ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات، واستدلوا بهذه الأحاديث، ومنهم من توقف، لحديث أبي هريرة [وقد أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار، وهو صحيح على شرط

<<  <  ج: ص:  >  >>