بادر فتقدم، هذا الظاهر قد يتمشى مع مذهب المعتزلة، أما أهل السنة فهم يقولون: إن المقتول ميت بأجله، ولهذا يجيبون على الإشكال بأن المبادرة إنما هي من حيث التسبب في ذلك والقصد له والاختيار، وليست بخروج الروح، وأطلق على ذلك مبادرة لوجود صورتها، وإنما استحق المعاقبة لأن الله لم يطلعه على انقضاء أجله، فاختار هو قتل نفسه، فاستحق المعاقبة لعصيانه.
وقال القاضي أبو بكر: قضاء الله مطلق، ومقيد بصفة، فالمطلق يمضي على الوجه بلا صارف، والمقيد على الوجهين. مثال: أن يقدر لواحد أن يعيش عشرين سنة إن قتل نفسه، وثلاثين سنة إن لم يقتل، وهذا بالنسبة إلى علم المخلوق، كذلك الموت مثلا. وأما بالنسبة إلى علم الله فإنه لا يقع إلا ما علمه. اهـ.
فمعنى الحديث على هذا: بادرني عبدي بالنسبة لعلم المخلوقين: لا في الحقيقة ونفس الأمر وعلم الله تعالى.
-[ويؤخذ من الحديث]-
١ - تحريم قتل النفس، ولئن كان الحديث يحكي شرع من قبلنا فإنه أقره، وإقرار شرع من قبلنا يجعله شرعا لنا.
٢ - فيه الوقوف عند حدود الله تعالى، وأن الأنفس ملك له فلا يتصرف فيها صاحبها إلا بما شرعه المالك جل شأنه.
٣ - فيه رحمة الله تعالى بخلقه، حيث حرم عليهم قتل نفوسهم.
٤ - فيه الحث على الصبر على البلاء وترك الجزع.
٥ - وفيه تحريم تعاطي الأسباب المفضية إلى المحرم.
٦ - وفيه التحدث عن الأمم الماضية وما فعلت، بقصد الترغيب أو الترهيب.
٧ - وفيه الاحتياط في التحديث، وكيفية الضبط له، والتحفظ فيه بذكر المكان، والإشارة إلى ضبط المحدث، وتوثيقه لمن حدثه ليركن السامع لذلك.
٨ - قال الحافظ ابن حجر في قول الراوي:"وما نخشى أن يكون جندب كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم" إشارة إلى أن الصحابة عدول، وأن الكذب مأمون من قبلهم، ولا سيما على النبي صلى الله عليه وسلم. اهـ.
والحق أن العبارة توثق جندبا، وتؤكد عدالته، ولا تتعرض لغيره من الصحابة وإن كانوا حقا عدولا لكن بأدلة أخرى.