يعرف هذا الحديث بحديث زيد بن خالد وهو يتعارض مع حديث ابن مسعود "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" وحديث عمران بن حصين "إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون" فإن هذين الحديثين ذم للشهادة قبل أن تسأل أمام هذا التعارض جنح بعض العلماء إلى الترجيح فرجح فريق حديث زيد بن خالد على رأسهم ابن عبد البر لكون الحديث من رواية أهل المدينة فقدمه على رواية أهل العراق وبالغ فزعم أن حديث عمران هذا لا أصل له ورجح فريق حديث عمران لاتفاق البخاري ومسلم عليه بخلاف حديث زيد الذي انفرد به مسلم.
وجنح آخرون إلى الجمع بين الحديثين فأجابوا بأجوبة:
أحدها: أن المراد بحديث زيد: من عنده شهادة لإنسان بحق لا يعلم به صاحبه فيأتي إليه فيخبره به أو يموت صاحبه العالم به ويخلف ورثة فيأتي الشاهد إليهم أو إلى من يتحدث عنهم فيعلمه به أجاب بهذا التخصيص لحديث زيد يحيى بن سعيد شيخ مالك ومالك وأصحاب الشافعي. قال الحافظ ابن حجر: وهو أحسن الأجوبة. اهـ. لأن الشهادة حينئذ أمانة واجبة الأداء.
ثانيها: أن المراد بحديث زيد شهادة الحسبة وهي ما لا يتعلق بحقوق الآدميين المختصة بهم محضا ويدخل في الحسبة -ما يتعلق بحق الله أو فيه شائبة منه- كالعتاق والوقف والوصية العامة والعدة والطلاق والحدود ونحو ذلك. وحاصله أن المراد بحديث ابن مسعود: الشهادة في حقوق الآدميين والمراد بحديث زيد: الشهادة في حقوق الله فمن علم شيئا من هذا النوع وجب عليه رفعه إلى القاضي وإعلامه به والشهادة واجبة قال تعالى {وأقيموا الشهادة لله}[الطلاق: ٢].
ثالثها: أن حديث زيد محمول على المبالغة في الإجابة إلى أداء الشهادة بعد طلبها لا قبله فيكون لشدة استعداده لها وحرصه على أدائها كالذي أداها قبل أن يسألها كما يقال في وصف الجواد: إنه ليعطي قبل الطلب أي يعطي سريعا عقب السؤال من غير توقف. فالمعنى: الذي يبادر بالشهادة حين طلبها.
رابعها: أن حديث عمران محمول على شهادة الزور فيشهد بما لا أصل له ولم يستشهد.
خامسها: أن حديث عمران محمول على الحلف والإكثار منه واليمين قد تسمى شهادة فيصبح المعنى: ويكثرون من الحلف ولا يستحلفون.
سادسها: أن حديث عمران يراد به الشهادة على المغيب من أمر الناس فيشهد على قوم أنهم في النار ولقوم بأنهم في الجنة بغير دليل كما يصنع ذلك أهل الأهواء.