وخطر لسليمان أن كلا من المرأتين تعرف الحقيقة فالأم تعرف ابنها معرفة لا تخلطه بغيره بعد أيام من ولادته لونه ولون عينيه وتقاسيم وجهه ووزنه إلى غير ذلك لكن أنى له الوصول إلى الحقيقة فلجأ إلى حيلة يستخرج منها الحقيقة. قال لمن حوله: هاتوا لي سكين. قالت الصغرى: ولم؟ قال: أشقه بينكما كل منكما تأخذ نصفه وثارت عاطفة الأم. إنها تقبل أن يعيش ابنها في أحضان أخرى تراه حيا ولو من بعيد ولا تقبل أن يموت وأما غير الأم التي تعلم أن ابنها أكله الذئب لا تعبأ أن يقتل ابن الأخرى بل قتله قد يخفف عنها مصابها فإذا عمت البلوى هانت أمام هذه المشاعر قبلت غير الأم وهي الكبرى وسكتت سكوت الراضية أما الأم فأزعجها قول سليمان فقالت على الفور وبلهفة وجزع: لا لا تشقه يرحمك الله هو ابنها سلمه لها وعرف سليمان أنها الأم الحقيقية فحكم به لها يذكر لنا الحديث هذه القصة لنجتهد يذكرها وهو يستحسن الاجتهاد والرأي الآخر يذكرها وهو لا يذم المخطئ لكنه يستحسن المصيب وصدق الله العظيم إذ يقول {ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما}[الأنبياء: ٧٩].
-[المباحث العربية]-
(بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب)"بينما" هي "بين" الظرفية زيدت عليها "ما" وناصبها هنا "جاء الذئب" وجملة "معهما ابناهما" صفة "امرأتان" والتقدير: جاء الذئب وقت كون امرأتين معهما ابناهما. و"أل" في "الذئب" للجنس المتمثل في فرد من أفراده.
(فذهب بابن إحداهما) أي خطفه وجرى ليأكله.
(فقالت هذه لصاحبتها) الإشارة لإحداهما من غير تعيين الصغرى أو الكبرى كأنه قال قالت إحداهما للأخرى.
(فتحاكمتا إلى داود) عليه السلام وفي رواية البخاري "فحاكما" وفي نسخة له "فاختصما" والتذكير باعتبارهما شخصين.
(فقضى به للكبرى) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسم واحدة من هاتين المرأتين ولا على اسم واحد من ابنيهما في شيء من الطرق. اهـ. والظاهر أن فارق السن وشكل الجسم كان مميزا لهما وسيأتي في فقه الحديث توجيه حكمه للكبرى.
(ائتوني بالسكين) المخاطبون بذلك حاشيته وخاصته ويحتمل أنه خطاب للمرأتين مع من حولهما أما قوله "أشقه بينكما" فهو خطاب للمرأتين.