للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عياض: قال المازري: هذا اللفظ الذي وقع لا يليق ظاهره بالعباس -أي لا يليق أن يصدر من العباس وحاشا لعلي أن يكون فيه بعض هذه الأوصاف فضلا عن كلها لسنا نقطع بالعصمة إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ولمن شهد له بها ولكنا مأمورون بحسن الظن بالصحابة رضي الله عنهم أجمعين ونفي كل رذيلة عنهم وإذا انسدت طرق تأويلها نسبنا الكذب إلى رواتها (الأولى أن نقول: نسبنا الخطأ إلى رواتها) وقد حمل هذا المعنى بعض الناس على أن أزال هذا اللفظ من نسخته تورعا عن إثبات مثل هذا [من الذين لم يذكروا هذا اللفظ الإمام البخاري] ولعله حمل الوهم على رواته.

قال المازري: وإذا كان هذا اللفظ لا بد من إثباته ولم نضف الوهم إلى رواته فأجود ما حمل عليه أنه صدر من العباس على جهة الإدلال على ابن أخيه لأنه بمنزلة ابنه وقال مالا يعتقده وما يعلم براءة ذمة ابن أخيه منه ولعله قصد بذلك ردعه عما يعتقد أنه مخطئ فيه وأن هذه الأوصاف يتصف بها لو كان يفعل عن قصد وأن عليا كان لا يراها إلا موجبة لذلك في اعتقاده وهذا كما يقول المالكي: شارب النبيذ ناقص الدين والحنفي يعتقد أنه ليس بناقص فكل واحد محق في اعتقاده ولا بد من هذا التأويل لأن هذه القضية جرت في مجلس عمر رضي الله عنه وهو الخليفة وعثمان وسعد والزبير وعبد الرحمن رضي الله عنهم ولم ينكر أحد منهم هذا الكلام مع تشددهم في إنكار المنكر وما ذلك إلا لأنهم فهموا بقرينة الحال أنه تكلم بما لا يعتقد ظاهره مبالغة في الزجر قال المازري: وكذلك قول عمر رضي الله عنه: إنكما جئتما أبا بكر فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا وكذلك ذكر عن نفسه أنهما رأياه كذلك وتأويل هذا نحو ما سبق وهو أن المراد أنكما تعتقدان أن الواجب أن يفعل في هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر فنحن على مقتضى رأيكما لو أتينا ما أتينا ونحن معتقدان ما تعتقدانه لكنا بهذه الأوصاف أو يكون معناه أن الإمام إنما يخالف إذا كان على هذه الأوصاف ويتهم في قضاياه فكأن مخالفتكما لنا تشعر من رآها أنكم تعتقدان ذلك فينا. والله أعلم. اهـ.

وهذا الذي ذكره المازري حسن بالنسبة لقول عمر رضي الله عنه ومقبول فاختلاف وجهتي نظر بالنسبة لفهم حديث لا بأس به لكن الأمر يختلف في وصف أحد الخصمين الآخر بهذه الأوصاف في قضية يعرفها الرأي العام ويعرف الحق فيها من الباطل فالمسألة ليست عندية وإنما هناك حقيقة أرض أو ثمرتها واتفق على أن يتصرف فيها بأسلوب معين فقد روي عن عائشة قالت: كانت هذه الصدقة بيد علي منعها عباسا فغلبه عليها ثم كانت بيد الحسن ثم بيد الحسين ثم بيد علي بن الحسين والحسن بن الحسن ثم بيد زيد بن الحسن ثم بيد عبد الله بن الحسن حتى ولي العباسيون فقبضوها وزاد بعضهم أن إعراض العباس عنها كان في خلافة عثمان قال عمر بن شبة: سمعت أبا غسان يقول: إن الصدقة المذكورة اليوم بيد الخليفة يولي عليها من قبله من يقبضها ويفرقها في أهل الحاجة من أهل المدينة قال الحافظ ابن حجر: كان ذلك على رأس المائتين ثم تغيرت الأمور. اهـ.

وفي السنن لأبي داود "أرادا أن عمر يقسمها لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وروي أنه قال لهما: "فأصلحا أمركما وإلا لم يرجع -والله- إليكما فقاما وتركا الخصومة".

(فقال القوم: أجل يا أمير المؤمنين. فاقض بينهم وأرحهم) في

<<  <  ج: ص:  >  >>