للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير عادة، وتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلسه فلم يجده، فسأل عنه سيد النصار. فقال: يا أبا عمرو، ما بال ثابت بن قيس؟ وما شأنه؟ وما أحواله؟ أخشى أن يكون به سوء أو شكاية، فقال سعد: أنا جاره، ولم أحس منه بشكوى، ولكن آتيك بخبره وما عنده، وذهب إليه سعد وعاصم بن عدي، فواجده منكسا رأسه يبكي - وقد حبس نفسه عن الخروج ومتع الحياة -فقيل له: ما يبكيك؟ إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنك، وقال كيت وكيت. قال: شر أصابني. أنزلت هذه الآية، ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا من أهل النار، وعاد إلى البكاء. فرجع سعد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر له ما قال ثابت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنه من أهل الجنة. اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكنك من أهل الجنة، فرجع إليه بهذه البشارة العظيمة، فجاء ثابت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إني أخشى أن أكون قد هلكت.

فقال: وما ذاك؟ قال: نهانا الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك. وأنا جهير، فقال له عليه الصلاة والسلام: أما ترضى أن تعيش سعيدا، وتقتل شهيدا وتدخل الجنة، فكان الصحابة رضي الله عنهم يؤمنون بأن هذه البشارة حق، وكانوا إذا رأوا ثابت بن قيس يمشي بينهم أحسوا واعتقدوا أنه من أهل الجنة. فلما كان يوم اليمامة وحاصر المسلمون مسيلمة الكذاب وأتباعه في عهد أبي بكر، لبس ثابت ثوبين أبيضين كفن نفسه فيهما، ثم حنط جسمه بالطيب الذي يطيب به الميت، ثم ذهب إلى صفوف المسلمين. فرأى منهم انكشافا وتقهقرا فنادى بأعلى صوته: أيها المسلمون، ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كان الصف لا ينحرف عن موضعه حتى يقتل أو يقتل، ثم قال: اللهم إني أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء المشركون، وأعتذر إليك عما فعله المسلمون، فتجمع المسلمون وقاتلوا وانتصروا، وكان ثابت بن قيس من خيرة المقاتلين في هذه المعركة، كما كان من شهدائها الأبرار، فتحقق بذلك وعد الله له على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام.

-[المباحث العربية]-

{لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} أي إذا نطق ونطقتم فعليكم أن تبلغوا بأصواتكم وراء الحد الذي يبلغه صوته، وأن تغضوا منها بحيث يكون كلامه عاليا لكلامكم.

{ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض} أي إذا كلمتموه وهو صامت فإياكم ورفع الصوت بعدم مراعاة مقام النبوة وجلالة قدرها.

{أن تحبط أعمالكم} أي لا ترفعوا ولا تجهروا خشية أن تحبط أعمالكم، وإحباط العمل الحرمان من الثواب، قال أبو بكر بن العربي: الإحباط إحباطان:

أحدهما: إبطال الشيء للشيء، وإذهابه كلية، كإحباط الإيمان للكفر، وإحباط الكفر للإيمان.

وثانيهما: إحباط الموازنة بزيادة السيئات على الحسنات، إذ يوقف الانتفاع بالحسنات حتى

<<  <  ج: ص:  >  >>