يستوفى جزاء السيئات، ثم تعود منفعة الحسنات، فهذا التوقف إبطال جزئي للحسنات، وهو المراد من الآية، وإطلاق اسم الإحباط عليه مجاز.
(جلس ثابت بن قيس في بيته) أي حبس نفسه في بيته كئيبا حزينا خائفا.
(وقال: أنا من أهل النار) قال ذلك لنفسه، أو قاله لمن اتصل به وسأله.
(واحتبس عن النبي صلى الله عليه وسلم) أي منع نفسه من لقاء النبي صلى الله عليه وسلم معه على خلاف عادته.
(أشتكى) بهمزة الاستفهام وحذف همزة الوصل، لأن همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة الوصل المفتوحة قلبت همزة الوصل مدة كقوله تعالى:{أالله خير}[النمل: ٥٩] وإذا دخلت على المكسورة حذفت همزة الوصل كقوله تعالى: {أستكبرت أم كنت من العالين}[ص: ٧٥].
(وما علمت له بشكوى) الباء زائدة داخلة على المفعول.
(فكنا نراه يمشي بين أظهرنا رجل من أهل الجنة) هو في بعض الأصول "رجلا" وفي بعضها "رجل" وهو الأكثر، وكلاهما صحيح الأول على البدل من الهاء في "نراه" والثاني على الاستئناف، خبر مبتدأ محذوف. أي هو رجل من أهل الجنة.
-[فقه الحديث]-
أشكل على هذا الحديث أن الآية المذكورة نزلت في زمن الوفود بسبب الأقرع بن حابس سنة تسع (فقد روى البخاري عن ابن أبي مليكة قال: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما- رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس قال أبو بكر:"يا رسول الله، استعمله على قومه" وأشار الآخر برجل آخر، قال عمر:"لا تستعمله يا رسول الله واستعمل القعقاع بن معبد" فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، قال: ما أردت خلافك، فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله:{يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} الآية فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه) من هذا يتبين أن الآية نزلت سنة تسع، كما يقول المحققون، وسعد بن معاذ مات قبل ذلك في بني قريظة، وذلك سنة خمس.
قال الحافظ ابن حجر لرفع هذا الإشكال: ويمكن الجمع بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت، والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة {لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} اهـ.
والحق أن هذا الجمع بعيد، لأن رواية البخاري السابقة صريحة في أن الذي نزل في قصة الأقرع {لا ترفعوا أصواتكم}
ويمكن أن يقال: إن ذكر سعد بن معاذ وهم من الراوي، وصحتها سعد بن عبادة، اعتمادا على رواية ابن المنذر في تفسيره عن قتادة عن أنس في هذه القصة وفيها "فقال سعد بن عبادة: يا رسول