فإنه ليس المراد هنا التحية وإنما المعنى سلم من عذاب الله من أسلم ولهذا جاء بعده {أن العذاب على من كذب وتولى}[طه: ٤٨] حين قال موسى عليه السلام {والسلام على من اتبع الهدى}[طه: ٤٧] وكذلك جاء في هذا الكتاب "فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين" فمحصل المقام أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصدا لأنه ليس ممن اتبع الهدى فلم يسلم عليه.
مع أن المسألة خلافية فمذهب الشافعي وجمهور أصحابه وأكثر العلماء أنه لا يجوز للمسلم أن يبتدئ كافرا بالسلام وأجازه كثيرون من السلف قال النووي: وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك وجوزه آخرون لاستئلاف أو لحاجة إليه أو نحو ذلك.
١٧ - وفي الحديث العمل بالكتاب.
١٨ - وفيه العمل بخبر الواحد.
١٩ - أخذ بعضهم من قول هرقل "ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه" وقوله في رواية البخاري "فلو أني أعلم أني أخلص إليه لتجشمت لقاءه ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه" وقوله في رواية الطبراني "أعرف أنه كذلك ولكن لا أستطيع أن أفعل إن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم" أن هرقل أقر بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وآمن وأنه لم يصرح بالإيمان خوفا على نفسه من القتل وهكذا أطلق صاحب الاستيعاب فقال: إن هرقل آمن قال الحافظ ابن حجر: أمر هرقل في الإيمان عند كثير من الناس مشتبه لأنه يحتمل أن يكون عدم تصريحه بالإيمان للخوف على نفسه من القتل ويحتمل أن يكون استمر على الشك حتى مات كافرا.
والجمهور على أن هرقل آثر ملكه على الإيمان واستمر على الضلال فقد حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بنحو السنتين وفي السير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه من تبوك يدعوه إلى الإسلام وأنه قارب الإجابة ولم يجب مما يدل على أنه استمر على الكفر أما قول بعضهم: يحتمل أنه كان يضمر الإيمان ويفعل هذه المعاصي مراعاة لملكه وخوفا من أن يقتله قومه فهذا القول مستبعد.
ففي مسند أحمد أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك: إني مسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كذب بل هو على نصرانيته" وفي رواية أبي عبيد في كتاب الأموال "كذب عدو الله ليس بمسلم".
فالتحقيق: أنه أظهر بهذه القرائن التصديق لكنه لم يستمر عليه ولم يعمل بمقتضاه بل شح بملكه وآثر الفانية على الباقية وقد سبق في المعنى العام نبذة عن آخر شأن هرقل تؤكد ما ذهبنا إليه وهي مستقاة من الروايات.
ثم قال الحافظ ابن حجر: واختلف الإخباريون. هل هرقل هذا هو الذي حاربه المسلمون في زمن أبي بكر وعمر؟ أو ابنه؟ والأظهر أنه هو. اهـ.