يرتحلون في تجارتهم إلى الشام فيمرون بقرب المدينة فعلم المسلمون بالمدينة أن أبا سفيان في ثلاثين رجلا من قريش يقودون قافلة تجارية من مكة إلى الشام فخرجوا ليتعرضوا لها في غزوة عرفت بغزوة العشيرة ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم معهم ففاتتهم فترقبوا رجوعها وأوحى الله إلى نبيه أن يخرج إلى هذه القافلة ووعده أن يغنم إحدى الطائفتين إما عير هذه القافلة وأموالها وإما غنيمة أموال قريش الذين يخرجون لحربه فاستنفر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فخرجوا في ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا نيفا على الستين رجلا من المهاجرين ونيفا وأربعين ومائتين من الأنصار حتى وصلوا ماء يعرف ببدر قريب من طريق القافلة وترصدوها كان أبو سفيان قائد القافلة يتجسس الأخبار ويتوقع من النبي صلى الله عليه وسلم ومن المسلمين أن يتعرضوا له وبلغه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنفر أصحابه يقصد القافلة فأرسل رجلا من قافلته يدعى ضمضما إلى قريش بمكة يحرضهم على المجيء لحفظ أموالهم ويحذرهم المسلمين فاستنفرهم ضمضم فخرجوا في ألف راكب مسلح ومعهم مائة فرس واشتد حذر أبي سفيان فغير الطريق المعتاد المرتقب وأخذ طريق الساحل وأسرع في السير حتى فات موقع المسلمين فلما أمن أرسل من يلقى قريشا يأمرهم بالرجوع لكن أبا جهل زعيم المستنفرين أقسم أن لا يرجع مكة حتى يلقن المسلمين درسا ويحتل الماء الذي ينزلون عنده ويشرب بنفسه من ماء بدر.
ووصلت عيون المسلمين بأخبار المشركين وبعددهم وعددهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أشيروا علي أيها الناس إن الله وعدني إحدى الطائفتين غنيمة العير أو غنيمة الحرب وقد أفلتت العير واستعدت قريش للحرب وهاهم على مرمى جيشنا فهل ننسحب ونرجع؟ أو نثبت ونقاتل؟ وأجابه أبو بكر فأحسن الجواب.
امض يا رسول الله إلى ما أمرك الله فنحن معك عن يمينك وشمالك وبين يديك ومن خلفك أرواحنا ملك لله ورسوله فلم يعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلام أبي يكر فهو لم يكن يقصده بالسؤال وصرف بصره عنه إلى جهة أخرى وتكلم عمر فأحسن بمثل كلام أبي بكر فلم يعقب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلامه فهو لم يكن يقصد المهاجرين أصلا وصرف بصره ناحية زعماء الأنصار إنه لم يكن بايعهم على أن يخرجوا معه للقتال وطلب العدو وإنما بايعهم على أن يمنعوه ممن يقصده فما موقفهم من طلبه العدو؟ وقتالهم له؟ وفهم الأنصار قصده فقال زعيمهم سعد بن معاذ: كأنك تريدنا يا رسول الله؟ امض يا رسول الله لما أمرت به فنحن معك فوالله لئن أمرتنا أن نخوض بخيلنا هذا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد ولو أمرتنا أن نضرب أكباد خيولنا إلى أبعد مكان تقصده لفعلنا ما تخلف منا أحد ولا نكون كالذين قالوا لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ولكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ولعلك -يا رسول الله- خرجت لأمر فأحدث الله غيره فامض لما شئت وصل حبال من شئت واقطع حبال من شئت وسالم من شئت وعاد من شئت وخذ من أموالنا ما شئت فسر النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم المقداد بن الأسود بمثل ذلك فأشرق وجهه صلى الله عليه وسلم وقرر القتال وصف الصفوف إنه يعلم أن أصحابه كانوا يتمنون العير غير ذي الشوكة ولكن يريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ولقد صف المشركون صفوفهم وخيلهم في مواجهة المسلمين وأخذ أبو جهل يصول ويجول ويتبختر بين