على أهلها ويترك لهم دورهم وغنائمهم لأن قسمة الأرض المغنومة ليست متفقا عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن أن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد جعلها الله حرما سواء العاكف فيه والباد.
ويستدل الشافعي أيضا بما ثبت بلا خلاف من أنه لم يجر فيها غنيمة ولا سبي من أهلها ممن باشر القتال أحد فعند أبي داود عن جابر رضي الله عنه سئل: هل غنمتم يوم الفتح شيئا؟ قال: لا.
وجنحت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد قال الحافظ ابن حجر: والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها كانت معاملة من دخل في الأمان والله أعلم.
ويجرنا الكلام عن دور مكة عن دار الرسول صلى الله عليه وسلم التي هاجر منها ولم لم ينزل فيها صلى الله عليه وسلم؟ وأجاب عن ذلك الخطابي فقال: إنما لم ينزل النبي صلى الله عليه وسلم فيها لأنها دور هجروها في الله تعالى بالهجرة فلم ير أن يرجع في شيء تركه لله تعالى وقد عقب عليه الحافظ ابن حجر: بأن الذي يختص بالترك إنما هو إقامة المهاجر في البلد التي هاجر منها لا مجرد نزوله في دار يملكها إذا أقام المدة المأذون له فيها وهي أيام النسك وثلاثة أيام بعده.
وأجاب عن السؤال بأن أبا طالب ورثه عقيل وطالب ابناه ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين وكان أبو طالب قد وضع يده على ما خلفه عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان شقيقه وكان النبي صلى الله عليه وسلم عند أبي طالب بعد موت جده عبد المطلب فلما مات أبو طالب ثم وقعت الهجرة ولم يسلم طالب وتأخر إسلام عقيل استوليا على ما خلف أبو طالب ومات طالب قبل بدر وتأخر عقيل فلما تقرر حكم الإسلام بترك توريث المسلم من الكافر استمر ذلك بيد عقيل وكان عقيل قد باع تلك الدور كلها واختلف في تقرير النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على داره صلى الله عليه وسلم وعلى ما كان يملكه بمكة فقيل: ترك ذلك تفضلا عليه وقيل استمالة له وتأليفا وقيل: تصحيحا لتصرفات الجاهلية كما تصحح أنكحتهم.
وقد روى البخاري في باب فتح مكة أحاديث لم يذكرها مسلم هنا منها:
١ - عن علي رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد فقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها قال: فانطلقنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة قلنا لها: أخرجي الكتاب قالت ما معي كتاب فقلنا: لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب قال: فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فيه:
من حاطب بن أبي بلتعة -إلى ناس بمكة من المشركين- يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية أن لفظ الكتاب "أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم فانظروا لأنفسكم وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد والسلام.