(الحديبية) قال النووي: فيها لغتان تخفيف الياء وهو الأفصح والتشديد اهـ.
قال المحب الطبري: الحديبية قرية قريبة من مكة أكثرها في الحرم وقيل: هي بئر سمي المكان بها وقيل: شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها والمكان معروف وبه مسجد التنعيم.
وكان خروجه صلى الله عليه وسلم من المدينة يوم الإثنين مستهل ذي القعدة سنة ست من الهجرة خرج يسوق الهدى قاصدا العمرة يريد زيارة البيت لا يريد قتالا ومعه ألف وأربعمائة من أصحابه فلما أتى ذا الحليفة [بيار علي] قلد الهدى وأشعره وأحرم منها بعمرة وبعث عينا من خزاعة يدعى "ناجية" وقيل: بسر يأتيه بخبر قريش وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى بلغ غدير الأشطاط قريبا من عسفان فأتاه عينه فقال له: إن قريشا جمعوا جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت ومانعوك فقال صلى الله عليه وسلم: أشيروا أيها الناس علي أترون أن أميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم -يقصد ذراري أهل غدير الأشطاط الذين تجمعوا مع قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم- والذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عنقا من المشركين وإلا تركناهم محرومين؟ قال أبو بكر: يا رسول الله خرجت عامدا لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه قال: امضوا على اسم الله وسار صلى الله عليه وسلم حتى بلغ كراع الغميم -قريبا من رابغ والجحفة بين مكة والمدينة- فقال لأصحابه: إن خالد بن الوليد في مائتي فارس فيهم عكرمة بن أبي جهل يعسكرون قريبا منا كطليع لجيش قريش فمن الخبير بالطرق يخرجنا على طريق غير طريقهم؟ قال رجل من أسلم: أنا يا رسول الله ونزل عن دابته فسلك بهم طريقا وعرا أفضى بهم إلى أرض سهلة وما شعر بهم خالد حتى رأى غبارا من بعيد فانطلق يركض نذيرا لقريش وسار صلى الله عليه وسلم حتى وصل قريبا من الحديبية فبركت ناقته فقال الناس: تعبت القصواء أو غضبت من السير فقال النبي صلى الله عليه وسلم: واحرنت القصواء وما ذلك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل والذي نفسي بيده لا يسألونني -كفار قريش- خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها ثم زجر الناقة فوثبت حتى نزل بأقصى الحديبية على ماء قليل وشكى
العطش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه في البئر فمازال يجيش لهم بالماء حتى ارتووا وفاض ماؤهم فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا موضع نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا على مياه الحديبية ومعهم ذوات الألبان من الإبل ليتزودوا بلبنها وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لم نجيء لقتال أحد ولكنا جئنا معتمرين وإن قريشا أضعفتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاءوا