للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

واحتجزوا عثمان رضي الله عنه وتراسلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يفاوضونه وفي هذه الأثناء أشيع أن الكفار قتلوا عثمان فكانت بيعة الرضوان تحت الشجرة بايع المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم على القتال وعدم الفرار حتى النصر أو الاستشهاد وفيهم نزل قوله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا} [الفتح: ١٨] وبعد تعدد الوساطات وظهور كذب إشاعة مقتل عثمان انتهت المفاوضات إلى صلح الحديبية يمثل قريشا فيه سهيل بن عمرو ويمثل المسلمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعنت ممثل قريش في نصوص الصلح شكلا وموضوعا فمن حيث الشكل لم يقبل عبارة "محمد رسول الله" وأصر على ذكر الاسم واسم الأب فقط ولم يقبل بسم الله الرحمن الرحيم وأصر على ذكر باسمك اللهم ووافقه صلى الله عليه وسلم ومن حيث الموضوع كانت النصوص في ظاهرها إجحافا للمسلمين فكانت تنص على أن يرجع محمد وأصحابه دون الوصول إلى المسجد الحرام على أن يعودوا في العام القابل بدون سلاح فتترك لهم قريش مكة ثلاثة أيام يعتمرون فيها ويخرجون على أن لا يخرج معهم أحد من أهل مكة وإن كان مسلما ما لم يقدم معهم وأن من أراد ممن جاء معهم أن يبقى

بمكة خلى بينه وبين البقاء ومن جاء إلى المسلمين مسلما من أهل مكة ردوه إلى أهله بمكة ومن جاء كفار مكة ممن كان قد أسلم لا يرده الكفار إلى المسلمين وأن توضع الحرب بين قريش وبين المسلمين سنوات فيأمن الناس على أموالهم ودمائهم لم يقبل المسلمون هذه النصوص وقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف يقبلون الضيم حسب مفهومهم ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين؟ شهد على الوثيقة أبو بكر وعمر وعثمان ولو استطاعوا أن يردوها لردوها شأن مشاعر جميع المسلمين.

لقد أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إتمام الصلح أن يقوموا إلى الهدى فينحروه وإلى رأسهم فيحلقوها للتحلل من الإحصار في العمرة ليعودوا بعد ذلك إلى المدينة ولم يتحرك منهم أحد لتنفيذ الأمر فدخل صلى الله عليه وسلم مغضبا على زوجته أم سلمة يقول لها: كاد المسلمون يهلكون آمرهم بالأمر فلا يستجيبون؟ قالت: هون عليك يا رسول الله واقبل عذرهم فقد دخلهم من الهم والغم من هذا الصلح ما دخلهم ثم قالت: أو تحب أن يفعلوا ما أمرتهم؟ قال: نعم قالت: اخرج إليهم فلا تكلم أحدا منهم وانحر بدنك وادع حالقك يحلق شعرك فإنك إن تفعل يئسوا من نسخ الحكم ومن التغيير ولم يجدوا بدا من الامتثال فاقتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم برأيها فقام بتنفيذه فنفذ المسلمون. وأذن فيهم بالرحيل إلى المدينة فرحلوا وفي نفوسهم انكسار وذلة وتحسر وهم وغم وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في الطريق {إنا فتحنا لك فتحا مبينا* ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما* وينصرك الله نصرا عزيزا* هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السماوات والأرض وكان الله عليما حكيما* ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما} [الفتح: ١ - ٥] وهنا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر وكبار أصحابه فقرأ الآيات عليهم فطابت نفوسهم رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>