من الدين أصلا ومحال أن يأمر بالكذب من يقول:"من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار".
وقال ابن العربي: الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا.
قال الحافظ ابن حجر: والجواب المستقيم أن نقول: المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره.
والتحقيق: أن الكذب لذاته لا يحل أصلا والترخيص به في مثل هذه المواطن من قبيل ارتكاب أخف المفسدتين أو الحصول على أعظم المنفعتين فالترخيص به لما يجره من منفعة أو لما يدفع به من مضرة مقابلا بإثمه كخبر غير مطابق للواقع. والله أعلم.
وأما عن النقطة الثانية فقد قال النووي: اختلف العلماء في الأسير يعاهد الكفار ألا يهرب منهم فقال الشافعي وأبو حنيفة والكوفيون: لا يلزمه ذلك بل متى أمكنه الهرب هرب وقال مالك: يلزمه واتفقوا على أنه لو أكرهوه فحلف لا يهرب لا يمين عليه لأنه مكره وأما قضية حذيفة وأبيه فإن الكفار استحلفوهما لا يقاتلان مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء وهذا ليس للإيجاب فإنه لا يجب الوفاء بترك الجهاد مع الإمام ونائبه ولكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم ألا يشيع عن أصحابه نقض العهد وإن كان لا يلزمهم ذلك لأن المشيع عليهم لا يذكر تأويلا. اهـ.
وترجم البخاري بباب: هل للأسير أن يقتل أو يخادع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة وأشار إلى قصة أبي بصير التي ذكرناها في صلح الحديبية قال الحافظ ابن حجر: قال الجمهور: إن ائتمنوه يف لهم بالعهد حتى قال مالك: لا يجوز أن يهرب منهم وخالفه أشهب فقال: لو خرج به الكافر ليفادي به فله أن يقتله وقال أبو حنيفة والطبري: إعطاؤه العهد على ذلك باطل ويجوز له أن لا يفي لهم به وقال الشافعية: يجوز أن يهرب من أيديهم ولا يجوز له أن يأخذ من أموالهم قالوا: وإن لم يكن بينهم عهد جاز له أن يتخلص منهم بكل طريق ولو بالقتل وأخذ المال وتحريق الدار وغير ذلك.