فمزقوهم وأصابوهم بالذعر والارتباك حتى قتل بعضهم بعضا لا يدري وفر كثير منهم نحو المدينة ودخل الكثيرون الشعاب مولين الأدبار ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا عدد قليل ما بين تسعة وبين ثلاثين وحاول بعض الكافرين الوصول إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدافع عنه من معه واستشهد بين يديه سبعة من تسعة على أصح الروايات وجرح وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفته السفلى وكسرت سن من أسنانه صلى الله عليه وسلم وجرحت رأسه بعد أن كسرت الخوذة الحديدية التي كان يلبسها وسال الدم على وجهه، وانشغل المشركون بقتلاهم وانشغلوا أكثر بقتلى المسلمين ينفثون فيهم حقدهم وغلهم فيقطعون الأنوف والآذان ويبقرون البطون ويمثلون وأخذوا يجمعون أمتعتهم للرحيل ونادى زعيمهم أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال ولنا عودة إليكم وعاد المسلمون يبحثون عن قتلاهم ويجمعونهم ويدفنونهم بثيابهم من غير غسل ولا صلاة وخرج النساء المسلمات من المدينة تبكي قتلاهن وخرجت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن خرجن فرأت أباها والدم يسيل على وجهه فاحتضنته وأخذت تغسل الدم بالماء الذي يصبه عليها زوجها علي رضي الله عنه فلما رأت
أن الماء يزيد الدم سيلانا لجأت إلى قطعة من حصير قديم بجوارها فأحرقتها ثم أخذت رمادها فكتمت به منفذ الجروح فانقطع الدم. وعز على الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعله به قومه فقال: إنهم لن يفلحوا ثم أدركه العفو والرفق فقال: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
-[المباحث العربية]-
(أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش)"يوم أحد" أي يوم غزوة أحد ومعركتها و"أحد" بضم الهمزة والحاء جبل معروف بينه وبين المدينة أقل من فرسخ وهو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم "جبل يحبنا ونحبه" وكانت عنده الوقعة المشهورة.
و"أفرد" بضم الهمزة مبني للمجهول أي تركه أصحابه مفردا في هذا العدد أما الرجلان من قريش من المهاجرين فهما طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص وعند محمد بن سعد أنه ثبت معه صلى الله عليه وسلم سبعة من المهاجرين منهم أبو بكر فيحتمل أن الخمسة عادوا وثبتوا مع الرجلين فكل من الروايتين تتحدث عن لحظة.
وأما السبعة من الأنصار فقد ذكر الواقدي في المغازي أنه ثبت يوم أحد من الأنصار: أبو دجانة والحباب بن المنذر وعاصم بن ثابت والحارث بن الصمة وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير وذكر في رواية سعد بن عبادة بدل سعد بن معاذ ومحمد بن مسلمة بدل أسيد بن حضير.
وللنسائي والبيهقي في الدلائل عن جابر قال:"تفرق الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وبقى معه أحد عشر رجلا من الأنصار وطلحة" قال الحافظ: وإسناده جيد. قال: وهو كحديث أنس -روايتنا الأولى- إلا أن فيه زيادة أربعة فلعلهم جاءوا بعد ذلك.
(فلما رهقوه) قال النووي بكسر الهاء أي غشوه وقاربوه يقال: رهقته وأرهقته أي أدركته وكل