للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صاحب الحق عن حقه، ولا يعذب العاصي بذلك، ويرشد إليه عموم قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: ٤٨].

وشذ ابن عباس عن قول الجمهور، فقال: إن المؤمن إذا قتل مؤمنا متعمدا لا توبة له.

هذا هو المشور عن ابن عباس، فقد روى البخاري عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى: {فجزاؤه جهنم} [النساء: ٩٣] قال لا توبة له، وعن قوله جل شأنه: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر} [الفرقان: ٦٨] قال: كانت هذه في الجاهلية.

وروى أحمد والطبري والنسائي وابن ماجه عن سالم بن أبي الجعد قال: كنت عند ابن عباس بعد ما كف بصره، فأتاه رجل، فقال: ما ترى في رجل قتل مؤمنا متعمدا قال: جزاؤه جهنم خالدا فيها، وساق الآية إلى "عظيما" قال: لقد أنزلت في آخر ما نزل، وما نسخها شيء حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة والهدى؟

قال الحافظ ابن حجر: وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السنة ما ورد من أحاديث تخليد القاتل في النار، وعدم قبول توبته، حملوه على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره وقالوا: معنى قوله: {فجزاؤه جهنم} أي إن شاء الله أن يجازيه، تمسكا بقوله تعالى في سورة النساء: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ومن الحجة في ذلك حديث الإسرائيلي الذي قتل تسعة وتسعين ثم أتى تمام المائة، فقال له: لا توبة لك فقتله، فأكمل به مائة، ثم جاء آخر، فقال: ومن يحول بينك وبين التوبة. الحديث. وهو مشهور، وإذا ثبت ذلك لمن قتل من غير هذه الأمة، فمثله لهم أولى، لما خفف الله عنهم من الأثقال التي كانت على من قبلهم. اهـ.

وفي تفسير قوله تعالى: {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات} [الفرقان: ٧٠] قيل: يبدلهم الله إيمانا من الشرك، وإخلاصا من الشك، وإحصانا من الفجور، وقيل: التبديل عبارة عن الغفران، والغفران من الحسنات، ومعنى هذين القولين أن السيئات لا تبدل كل منها بحسنات، لكن روي عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن السيئات تبدل بحسنات" وعليه قال القرطبي: لا يبعد في كرم الله - إذا صحت توبة العبد أن يضع مكان كل سيئة حسنة، وقد قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ "أتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن". وهذا قول وجيه ينسجم مع عفو الكريم، صاحب الفضل والجود، الذي دعا إلى مقابلة الإساءة بالإحسان، فقال: {فمن عفا وأصلح فأجره على الله} [الشورى: ٤٠]: وقال: {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا} [النور: ٢٢] وقال: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} [آل عمران: ١٣٤].

والله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>