(وقد بعث إليك ملك الجبال) أي الملك الموكل بالجبال.
(لتأمرني بأمرك) أي لتأمرني بالأمر الذي تريده فأنفذه وعند الطبراني "يا محمد إن الله بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فيما شئت إن شئت" وفي روايتنا "فما شئت"؟ وفي رواية البخاري "فقال: ذلك فيما شئت إن شئت أن أطبق عليهم ... " إلخ فذلك خبر لمبتدأ محذوف تقديره الأمر ذلك الذي علمته أو الأمر ذلك الذي أخبرك به جبريل.
(إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين) جزاء الشرط محذوف تقديره: فعلت والمراد من ضمير "عليهم" قومه الذين آذوه وفي مقدمتهم أهل مكة الذين ألجئوه إلى أهل الطائف والأخشبان هما جبلا مكة أبو قبيس والذي يقابله وهو جبل قيقعان وقال بعضهم: بل هو الجبل الأحمر الذي يشرف على قيقعان ووهم من قال: هو ثور وسميا بالأخشبين لصلابتهما وغلظ حجارتهما والخشب الصلب من النبات ويقال: خشب بكسر الشين يخشب بفتحها إذا غلظ وخشن.
(بل أرجو) كذا في روايتنا وفي أكثر الروايات وفي بعضها "أنا أرجو"
(دميت إصبع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك المشاهد) وفي ملحق الرواية "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غار فنكبت إصبعه" قال النووي: كذا هو في الأصول "في غار" قال القاضي عياض: قال أبو الوليد الكناني: لعله "غازيا" فتصحف كما قال في الرواية "في بعض المشاهد" وكما جاء في رواية البخاري "بينما النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذ أصابه حجر فعثر فدميت إصبعه" قال القاضي: وقد يراد بالغار هنا الجيش لا الغار الذي هو الكهف فيوافق رواية "بعض المشاهد" اهـ. وفي رواية أحمد عن جندب رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار" وظاهر قوله في البخاري "أصابه حجر فعثر" أن الإصبع كانت من أصابع القدم لأن العثرة بالقدم لكن جاء عند الترمذي بلفظ "رمي صلى الله عليه وسلم بحجر في إصبعه" وهي تحتمل إصبع القدم وإصبع اليد. والله أعلم.
ويمكن الجمع بين الروايات باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم قد دخل مغارة في بعض الغزوات فخرج منها يمشي فاصطدمت قدمه بحجر فسال الدم من إصبع رجله .. إلخ قال: دمي الجرح بفتح الدال وكسر الميم وفتح الياء يدمى بفتح الميم أي خرج منه الدم ولم يسل ويقال: نكبت الحجارة رجله أي لثمتها وأدمتها ونكبت رجله بالبناء للمجهول أي أصيبت بحجر فدميت.
هل أنت إلا إصبع دميت
وفي سبيل الله ما لقيت
الاستفهام هنا إنكاري بمعنى النفي و"ما" اسم موصول أي الذي لقيته محسوب في سبيل الله قال النووي: والرواية المعروفة "دميت" و"لقيت" بكسر التاء وبعضهم أسكنها وزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد إسكانها ليخرج عن الشعر قال الحافظ ابن حجر: وهو مردود فإنه يصير من ضرب إلى آخر من الشعر قال عياش: وقد غفل بعض الناس فروي "دميت" و"لقيت" بغير مد فخالف الرواية ليسلم من الإشكال فلم يصب وقد اختلف هل قاله النبي صلى الله عليه وسلم