(إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت) ذكر ابن إسحق وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى نصره وكان ابن عبد ياليل من أكابر أهل الطائف من ثقيف قيل هو أحد المقصودين بقوله تعالى {على رجل من القريتين عظيم}[الزخرف: ٣١] وله أخوان فعمد إليهم يشكو إليهم ما أصابه من قومه رجاء أن يؤووه وكان ذلك في شوال سنة عشر من المبعث وكان بعد موت أبي طالب وخديجة فردوا عليه أقبح رد وقالوا له: قوم الرجل أعلم به وأغروا به سفهاءهم وصبيانهم يجرون خلفه يقذفونه بالحجارة حتى أدموا قدميه صلى الله عليه وسلم.
ومعنى عرض نفسه أنه كان يسألهم أن يؤووه ويمنعوه يقول: أنما لا أكره أحدا على شيء بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي ويقول: هل من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي؟
و"ابن عبد ياليل" بكسر اللام ابن عبد كلال بضم الكاف وتخفيف اللام واسمه كنانة وقد ذكر موسى بن عقبة وابن إسحق أن كنانة بن عبد ياليل وفد مع وفد الطائف سنة عشر فأسلموا وذكره ابن عبد البر في الصحابة لذلك لكن ذكر المديني أن الوفد أسلموا إلا كنانة فخرج إلى الروم ومات بها بعد ذلك.
(فانطلقت وأنا مهموم على وجهي) أي على الجهة المواجهة لي أي أمشي إلى الأمام دون قصد جهة معينة من غير وعي لما حولي من كثرة انشغالي بهمومي.
(فلم أستفق إلا بقرن الثعالب) أصل القرن كل جبل صغير منقطع من جبل كبير وقرن الثعالب ويقال له: قرن المنازل هو ميقات أهل نجد وهو على مرحلتين من مكة أي نحو مائة وثلاثين ميلا.
حكى القاضي عياض أن بعض الرواة ذكره بفتح الراء قال: وهو غلط وحكى القابسي أن من سكن الراء أراد الجبل ومن حركها أراد الطريق التي يقرب منه.
وأفاد ابن سعد أن مدة إقامته صلى الله عليه وسلم بالطائف كانت عشرة أيام.
قال النووي: والمعنى لم أفطن لنفسي وأنتبه لحالي وللموضع الذي أنا ذاهب إليه وللطريق الذي أسير فيه إلا عند قرن الثعالب.
(قد سمع قول قومك لك وما ردوا عليك) عائد الصلة محذوف تقديره: وما ردوا به عليك والمراد من قول قومه له: يحتمل أن يكون هو ردهم على عرضه فالعطف تفسيري ويحتمل أن يكون قولا آخر غير رد العرض فقد أقام بينهم عشرة أيام كما سبق.
والمراد من الإخبار بالسمع لازمه وهو الاستجابة لما سمع والعمل على مقتضاه.