ومن هؤلاء الأخيار حكيم بن حزام الصحابي الجليل رضي الله عنه وكان من الطبيعي أن يسألوا بعد إسلامهم عن أعمالهم التي عملوها في الجاهلية من خير أو شر، هل لهم أجر فيما عملوا من بر؟ وهل عليهم وزر فيما ارتكبوا من إثم؟ وقد سبقت الإجابة عن الشق الثاني في الحديث السابق، وهذا الحديث يجيب عن الشق الأول.
لقد سأل حكيم بن حزام رسول الله صلى الله عليه وسلم عما قدم، فقال: يا رسول الله أخبرني عن أعمال الخير التي كنت أتقرب بها في الجاهلية، من صدقة على المحتاجين، وعتق الرقاب وصلة الرحم. هل لي فيها من أجر بعد إسلامي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لن تعدم خيرها وأجرها، فقد اكتسبت بها ثناء جميلا وذكرا حميدا، وطبعتك بطباع الخير التي تساعدك على البر في إسلامك وستزيد في ثواب ما تفعل من خير، ولعلها صاحبة الفضل في هدايتك للإسلام، ووصولك إلى الطريق المستقيم.
ولما كانت ممارسة الخير تطبع بالخير وتعود عليه، ولما كان الإسلام يضاعف حسنات البر، اندفع حكيم بن حزام في إسلامه إلى ما كان يفعل قبله، فكما أعتق في جاهليته على طولها مائة رقبة، أعتق في أيام إسلامه مائة رقبة أنفس منها، وكما حمل في جاهليته زادا ومتاعا للمحتاجين على مائة بعير، حمل كذلك في إسلامه على مائة بعير حملا خيرا مما حمل في الجاهلية، ثم زاد خيرا وخيرا وخيرا حتى صار من السابقين المقربين. رضي الله عنه وأرضاه، ورضي عن الصحابة أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(عن حكيم بن حزام) صحابي جليل، من مناقبه أنه ولد في الكعبة. قال بعض العلماء: ولا يعرف أحد شاركه في هذا، ومن طرف أخباره أنه عاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام، أسلم عام الفتح ومات بالمدينة سنة أربع وخمسين، فيكون المراد من الستين التي عاشها في الإسلام من حين ظهور الإسلام وانتشاره إلى حين وفاته، لا من حين إسلامه إلى وفاته.
(أرأيت أمورا) أي أخبرني عن أمور، والمراد منها أمور الخير والمعروف.
(كنت أتحنث بها) التحنث التعبد، كما فسره في الحديث، وفسره في الرواية الثالثة بالتبرر، وهو فعل البر، وهو الطاعة، قال أهل اللغة: أصل التحنث أن يفعل فعلا يخرج به من الحنث، وهو الإثم، وكذا: تأثم، وتحرج، وتهجد، أي فعل فعلا يخرج به من الإثم والحرج والهجود.
(في الجاهلية) أي قبل إسلامه. وليس المراد قبل ظهور الإسلام فكأنه قال في جاهليتي.
(هل لي فيها من شيء) أي من أجر وثواب عند الله، فلفظ "شيء" ليس على إطلاقه، فإن له بها ذكرا جميلا على ألسنة الناس، ولذا جاء في الرواية الثانية "أفيها أجر"؟
(أسلمت على ما أسلفت من خير) أي على ما قدمت من خير، وفي القاموس: والسلف كل عمل صالح قدمته. وفي المراد من هذه الجملة عدة توجيهات تأتي في فقه الحديث.