(أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم)"من" في "من صدقة" متعلقة بمحذوف صفة أخرى لأمور، أي أمورا كائنة من صدقة إلخ، أو بيانية بمعنى أي تفسير لأمور.
(أشياء كنت أفعلها في الجاهلية)"أشياء" مبتدأ والجملة بعدها صفة، والخبر محذوف، تقديره: هل لي فيها من أجر؟
(لا أدع شيئا صنعته في الجاهلية) أي شيئا من الخير والمعروف.
(وحمل على مائة بعير) أي تصدق بها.
-[فقه الحديث]-
قضية الحديث: هل يثاب الكافر إذا أسلم وحسن إسلامه على ما فعله من خير في حال كفره؟
ذهب ابن بطال وغيره من المحققين إلى أنه: إذا أسلم الكافر، وحسن إسلامه، ومات على الإسلام يثاب على فعله من الخير في حال الكفر، واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أسلم الكافر، فحسن إسلامه، كتب الله له كل حسنة زلفها، ومحا عنه كل سيئة زلفها، وكان عمله بعد (أي بعد إسلامه) الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها، إلا أن يتجاوز الله سبحانه وتعالى".
ذكره الدارقطني، وثبت في بعض طرقه "أن الكافر إذا حسن إسلامه يكتب له في الإسلام كل حسنة عملها في الشرك".
قال ابن بطال بعد ذكره الحديث: ولله تعالى أن يتفضل على عباده بما يشاء، لا اعتراض لأحد عليه. اهـ.
وعلى هذا القول يكون قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم "أسلمت على ما أسلفت من خير" على ظاهره، أي أسلمت وقد ثبت لك أجر ما أسلفت من خير.
وقال بعض العلماء: إن الكافر إذا أسلم لا يثاب على ما فعل من خير في حال كفره، لأن الكافر لا يصح منه التقرب، لأن من شرط المتقرب أن يكون عارفا بالمتقرب إليه، وهو في حين فعله للخير لم يحصل له العلم بالله بعد، وحيث لا يصح منه التقرب فلا يثاب على ما فعل، ولهذا قال الفقهاء: لا يصح من الكافر عبادة، ولو أسلم لم يعتد بها. وعلى هذا القول يجب تأويل قوله صلى الله عليه وسلم لحكيم "أسلمت على ما أسلفت من خير" وقد فسروه بوجوه:
منها: أن معناه اكتسبت طباعا جميلة، وأنت تنتفع بتلك الطباع في الإسلام، وتكون تلك العادة تمهيدا لك، ومعونة على فعل الخير.