للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} (قال: نعم) {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} (قال: نعم) {واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} (قال: نعم) [البقرة: ٢٨٦].

٢١٣ - عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت هذه الآية {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله} [البقرة: ٢٨٤] قال، دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قولوا: سمعنا وأطعنا وسلمنا" قال، فألقى الله الإيمان في قلوبهم. فأنزل الله تعالى: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} (قال: قد فعلت) {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} (قال: قد فعلت) {واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا} (قال: قد فعلت) [البقرة: ٢٨٦].

-[المعنى العام]-

لما نزل قوله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض} امتلاكا حقيقيا وتصرفا كاملا، وامتلاك غيره امتلاك صوري مؤقت (وإن تبدوا) وتظهروا وتعلنوا (ما) يجول (في أنفسكم) ودواخلكم (أو تخفوه) وتضمروه (يحاسبكم به الله) الذي لا تخفى عليه خافية (فيغفر لمن يشاء) منكم بالفضل والرحمة (ويعذب من يشاء) بالحق والعدل (والله على كل شيء قدير) لا يحول دون غفرانه أو عقابه شيء.

لما نزلت هذه الآية عظم ذلك واشتد على الصحابة، إنها تنذر بالمحاسبة على ما في النفس، وعلى خطرات القلوب، وأنى لهم التحكم فيها؟ وكيف يستطيعون دفعها؟ لقد همهم الأمر وغمهم، وأزعجهم هذا الحكم وأقض مضاجعهم، وقالوا: لئن آخذنا الله بهذا لنهلكن، وذهب جماعة منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسلموا، ثم جثوا وبركوا على الركب، وسكنت أعضاؤهم، وخشعت أبصارهم، وقالوا: هلكنا يا رسول الله، قال: وما ذاك؟ قالوا: كلفنا الله بما نستطيع من صلاة وصيام وجهاد وصدقة ففعلنا، لكن قد أنزلت عليك آية لا نطيقها، ولم يرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الأسلوب، وخشي أن يفتح عليهم باب الرضا ببعض الأحكام وعدم الرضا بالبعض الآخر، فأغلق الباب بحزم، وقال: أتريدون أن تقولوا كما قالت اليهود والنصارى، حين قالوا بشأن تكاليفهم: سمعنا وعصينا؟ لا تقولوا شق علينا كذا، ولكن قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

فرجعوا يقرءون الآية ثم يقولون: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، وبعد فترة من الزمان، وبعد أن لانت ألسنتهم بالآية وانصاعت نفوسهم لها، واستسلموا لأمر ربهم فيها، نزل قوله تعالى تخفيفا عنهم: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} قال النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} فاستجاب الله لهم وقال: قد فعلت قالوا: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا} قال الله: قد فعلت واستجبت. قالوا: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} قال: قد فعلت واستجبت، وأكرم الله هذه الأمة بما لم يكرم به من قبلها، وثبت إيمان الصحابة رضوان الله عليهم، وأحسن إليهم، وأثنى عليهم بقوله {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} رضي الله عنهم ورضوا عنه وشملنا بعفوه وكرمه إنه سميع مجيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>