قضية مهمة في حياة البشر، قضية الإمارة والولاية الكبرى للمسلمين، وكان العرب قبل الإسلام يحكم كل قبيلة منهم شيخ القبيلة، فلما جاء الإسلام، واستقرت دولته بالمدينة حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم القبائل المختلفة بعد أن وحد بينهم بالإسلام، فصارت العصبية إسلامية، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، لكن الناس معادن، وبعض القبائل لها شرف على بعض بالحسب والنسب، وخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا وكانت العرب تعترف قبل الإسلام بفضيلة قريش، أصالة وكرما وشهامة ونجدة وعفة وقربا من الله لأنهم أهل حرم الله وحماته، ولما جاء الإسلام جاء نبيه صلى الله عليه وسلم من قريش، فزادهم فخرا وامتيازا، وإذا كان الإسلام قد حارب العصبية القبلية فإنه لم يلغ تفاضل القبائل في الشرف، فهو القائل "إن الله اصطفى من ولد إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم" والعرب وهم قريبو عهد بالجاهلية لا ينسون فضائل القبائل، ويدينون لفضلاها بالولاء والطاعة، والإمارة أحوج ما تكون إلى الولاء والطاعة. ومن هنا أشار صلى الله عليه وسلم إلى جعل الإمارة بعده في قريش، مع استيفاء مؤهلات الإمارة الأخرى، فكان هذا التخصيص في الحديث، وكان هذا الترغيب في جعل الخليفة قرشيا، وكان حثا للقرشيين أن يحافظوا على أن يكونوا أهلا للخلافة بعده، فقال: الناس في الجاهلية يتبعون قريشا، خيارهم يتبع خيار قريش، فمسلمهم يتبع محمدا صلى الله عليه وسلم وهو قرشي، وشرارهم يتبع شرار قريش، فكافرهم كان يتبع أبا سفيان وزعماء قريش في حربهم للإسلام، وستبقى تبعية الناس لقريش فترة من الزمان، وستكون الخلافة فيهم ما أقاموا شريعة الإسلام، سيمضي في الناس اثنا عشر خليفة بعدي كلهم من قريش، ثم تتغلب القبائل الأخرى، فتنحى القرشيين عن الخلافة، وتحتل مكانتهم ومنعتهم وسؤدهم.
فحافظوا معشر قريش على سيادتكم، وحافظوا أيها المسلمون على ولائكم لقريش ما أقاموا الدين وأطاعوا الله فيكم، فإذا عصوه فلا طاعة لهم عليكم.
-[المباحث العربية]-
(كتاب الإمارة) المراد بها هنا الخلافة، والإمارة والولاية العظمى فـ"ال" في "الإمارة" للكمال.
(الناس تبع لقريش في هذا الشأن) أي في الرئاسة، والمراد من الناس الجنس الصادق ببعض الأفراد، وليست للاستغراق فهناك كان الفرس والروم، وغيرهم.
(مسلمهم لمسلمهم وكافرهم لكافرهم) في الرواية الثانية "مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم" وفي الرواية الثالثة "الناس تبع لقريش في الخير والشر" قال النووي: معناه في الإسلام والجاهلية، لأن قريشا كانوا في الجاهلية رؤساء العرب، وأصحاب حرم الله، وأهل حج بيت الله،