وكانت العرب تنظر إلى إسلامهم، فلما أسلموا، وفتحت مكة تبعهم الناس، وجاءت وفود العرب من كل جهة، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وكذلك في الإسلام، هم أصحاب الخلافة، والناس تبع لهم. اهـ. وفي هذا القول نظر، لأنه إن كان تعبيرا عن الواقع فالواقع لا يؤيده، فلم تكن القبائل العربية الأخرى تخضع لحكم قريش، وإن كانت تحترمها، فلم يكونوا تبعا لها في الجاهلية، وأما كونهم أصحاب الخلافة في الإسلام فلم يكن ذلك واقعا إلا في الصدر الأول، وإن كان تعبيرا عما ينبغي فهذا أمر آخر لكنه لا يتفق مع كلامه الآتي في فقه الحديث.
(لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان)"ما" في "ما بقي" ظرفية مصدرية، أي مدة بقاء اثنين من الناس على قيد الحياة، فهو كناية عن التأبيد إلى قيام الساعة وليس المراد حقيقة العدد، وهل الجملة خبرية لفظا ومعنى؟ فهي إخبار عما سيقع؟ أو خبرية لفظا طلبية معنى، أي ينبغي أن يكون الأمر كذلك؟ التحقيق في فقه الحديث، قال ابن هبيرة: يحتمل أن يكون على ظاهره، وأنهم لا يبقى منهم في آخر الزمان إلا اثنان، أمير ومؤمر عليه، والناس لهم تبع، فحقيقة العدد مرادة.
(إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ... كلهم من قريش) معناه إن كون الخلافة في قريش بعدي سيبقى قائما متحققا حتى يتعاقب على الأمة الإسلامية اثنا عشر خليفة كلهم من قريش، ثم تخرج الخلافة من قريش، وفي الرواية السادسة "لا يزال أمر الناس ماضيا" ملتزمين جعل الخلافة في قريش "ما وليهم اثنا عشر رجلا" خليفة "كلهم من قريش" وفي الرواية السابعة "لا يزال الإسلام عزيزا" أي منيعا من التغيير، في هذه الجزئية، وهي كون الخلافة في قريش "إلى اثني عشر خليفة" أي لا يزال هذا الحكم ماضيا وقائما ونافذا إلى اثني عشر خليفة، وفي الرواية الثامنة "لا يزال هذا الأمر عزيزا إلي ... " وفي الرواية التاسعة "لا يزال هذا الدين عزيزا منيعا إلي .... " وفي الرواية العاشرة "لا يزال الدين قائما ... " وهذه الروايات من قبيل الرواية بالمعنى، لأن الراوي واحد، والمخرج واحد، والمقولة واحدة.
قال النووي: قال القاضي: قد نوجه هنا سؤال، وهو أنه قد ولي أكثر من هذا العدد. قال: وهذا اعتراض باطل، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل: لا يلي إلا اثنا عشر خليفة، وإنما قال:"يلي" وقد ولي هذا العدد، ولا يضر كونه وجد بعدهم غيرهم. هذا إن جعل المراد باللفظ "كل وال" ويحتمل أن يكون المراد مستحقي الخلافة العادلين، وقد مضى منهم من علم، ولا بد من تمام هذا العدد قبل قيام الساعة، قال: وقيل: إن معناه أنهم يكونون في عصر واحد، يتبع كل واحد منهم طائفة. قال القاضي: ولا يبعد أن يكون هذا قد وجد، إذا تتبعت التواريخ، فقد كان بالأندلس وحدها منهم في عصر واحد ثلاثة كلهم يدعيها، ويلقب بها وكان حينئذ في مصر آخر، وكان هناك خليفة الجماعة العباسية ببغداد، وكان هناك سوى ذلك من يدعي الخلافة في ذلك الوقت في أقطار الأرض. قال: ويعضد هذا التأويل قوله في كتاب مسلم بعد هذا: "ستكون خلفاء فيكثرون. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا بيعة الأول فالأول" قال: ويحتمل أن المراد من يعز الإسلام في زمنه، ويجتمع المسلمون عليه، كما جاء في سنن أبي داود