الديلم، فضايقوهم في كل شي، حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة، واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم، ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار، ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار. اهـ.
النقطة الثانية: احتمال أن الحديث طلب في المعنى، أي ينبغي أن يكون هذا الأمر في قريش، وليس على إطلاقه أيضا، بل مع ملاحظة القيود الواردة في الأحاديث "ما أقاموا الدين" مع مراعاة أهليتهم لهذا الأمر، فإن فقدوا أهلية الحكم لا يولون، ومعنى هذا أنهم لو تساووا مع غيرهم في الأهلية قدم القرشي.
النقطة الثالثة: أن الإسلام لا يشجع العصبية القبلية، بل مبادئه ترفضها وتحاربها، فالقرآن الكريم يقول {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم}[الحجرات: ١٣] ويقول صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى" ويقول "اسمعوا وأطيعوا وإن ولي عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة" ويقول في خطبة الوداع "وإن استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا وأطيعوا".
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من تولية غير الأصلح، بقطع النظر عن قبيلته، فهو يقول "من ولي على عصابة رجلا، وهو يجد من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين".
ويروي الطبري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين طعن، وقيل له: يا أمير المؤمنين. لو استخلفت؟ قال: من أستخلف؟ لو كان أبو عبيدة بن الجراح حيا استخلفته، فإن سألني ربي؟ قلت: سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: "إنه أمين هذه الأمة" ولو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته، فإن سألني ربي قلت: سمعت نبيك صلى الله عليه وسلم يقول: "إن سالما شديد الحب لله" وسالم مولى أبي حذيفة غير قرشي، وجاء في أحمد عن عمر قوله: إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل، ومعاذ بن جبل أنصاري لا نسب له في قريش.
ثم إن الذين يذهبون إلى اشتراك القرشية نراهم أحيانا لا يعتبرون هذا الشرط واجبا في الحاكم لا يجوز تخلفه، فنراهم يشترطون الكفاءة بالدرجة الأولى، فهذا النووي يقول في روضة الطالبين: فإن لم يوجد قرشي مستجمع للشروط فكناني، فإن لم يوجد فرجل من ولد إسماعيل عليه السلام، فإن لم يوجد فيهم مستجمع للشروط فإنه يولي رجل من العجم.
ويقول الجويني: إذا وجد قرشي ليس بذي دراية، وعاصره عالم تقي، يقدم العالم التقي، ومن لا كفاية فيه فلا احتفال به، ولا اعتداد بمكانه أصلا.
النقطة الرابعة: أوضحنا شرط القرشية عند أهل السنة والفقهاء، وعقبنا على أقوالهم، وبقي أن نستعرض المذاهب الأخرى:
١ - فلم تكتف بعض الطوائف باشتراط القرشية، بل قيدت الشيعة القرشي بأن يكون من ولد علي رضي الله عنه، ثم اختلفوا اختلافا شديدا في تعيين بعض ذرية علي.