(فضرب بيده على منكبي) كأنه يربت على كتفه بيده، علامة على الرفق والحنو والعطف.
(ثم قال: يا أبا ذر: إنك ضعيف) البدن، هزيل الجسم، لا تقوى على متاعب الولاية ومشاقها.
(وإنها أمانة) شاقة التكاليف والتبعات.
(وإنها يوم القيامة خزي وندامة) أي لمن لم يعمل فيها بما ينبغي.
(لا تأمرن على اثنين) بفتح التاء والهمزة، وتشديد الميم المفتوحة وفتح الراء، وتشديد النون المفتوحة، وأصله لا تتأمرن، أي لا تكن أميرا على قوم وإن قلوا.
(ولا تولين مال يتيم) أصله ولا تتولين مال يتيم، فتتحمل بذلك تبعات تعرضك لأثقال الذنوب.
-[فقه الحديث]-
في الحديث النهي عن سؤال الإمارة وطلبها، ومثل الإمارة القضاء والحسبة والوظائف العليا في الدولة، إذا كانت المهمة ولاية أمور المسلمين "لا تسأل الإمارة" وهذا النهي للكراهة، لا للتحريم، وقد علل الحديث هذا الحكم بأن من طلب الإمارة فأعطيها تركت إعانته عليها، من أجل حرصه، ومن المعلوم أن كل ولاية لا تخلو من مشقة، وكل وال معرض للخطأ واتباع الهوى، فمن تولى أمرا ولم يكن له من الله إعانة أساء التصرف، وقد وعد صلى الله عليه وسلم من أعطى الولاية من غير مسألة بالعون من الله عليها، وأوعد من طلبها بحجب الإعانة، وقد جاء تفسير الإعانة وعدمها في حديث أنس رفعه "من طلب القضاء، واستعان عليه" أي على الوصول له "بالشفعاء" والوسطاء "وكل إلى نفسه، ومن أكره عليه" أو أعطيه لكفاءته بدون مسألة "أنزل الله عليه ملكا يسدده" أخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه، وفي معنى الإكراه عليه أن يدعي إليه، فيهابه، خوفا من الوقوع في المحذور، فإنه يعان عليه إذا دخل فيه، ويسدده الله.
فمن كان ذا عقل لم يتعرض للطلب أصلا.
أما الحكمة في عدم تولية من سأل الولاية أن سؤالها غالبا ينشأ عن الحرص على تحصيلها.
وما ذلك إلا لمصلحة شخصية، كثيرا ما تكون على حساب المصلحة العامة، فهو بهذا الوضع متهم، وسؤاله شبهة عدم كفاءته، ولو كان واثقا من كفاءته لجاءته دون سؤال، ثم إن من سألها -كما قلنا- لا يعان عليها، ومن لا يعان عليها من الله لا يكون كفأ، ولا يولي غير الكفء.
وهذا إذا كانت أمور الولايات تجري في مجراها الصحيح، وولي الأمر الأعلى يضع الرجل المناسب في المكان المناسب، أما إذا اختلت الموازين، وأبعد الأكفاء عن مواقعهم، وقدمت الأحساب والوسائط فللأكفاء أن يطلبوا، وأن يلحوا في الطلب، وأن يكافحوا من أجل وصولهم، فوصولهم حينئذ مصلحة عامة، قبل أن تكون خاصة.