عدم الوقوع، حتى رواية "فلم ينزل حتى ضرب عنقه، وما استتابه" فهذه فضلا عن أنها معارضة برواية مثبوتة أن معاذا استتابه يحتمل أنه اكتفى بما تقدم من استتابة أبي موسى له، فقد جاء في بعض الروايات "أن أبا موسى دعاه إلى الإسلام، فأبى عشرين ليلة، أو قريبا منها"، واختلف القائلون بالاستتابة. هل هي واجبة؟ أم مستحبة؟ والأصح عند الشافعي وأصحابه أنها واجبة.
كما اختلفوا في قدرها، والأصح عند الشافعي وأصحابه أنها في الحال فقط، وله قول أنها ثلاثة أيام، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق، وعن علي أنه يستتاب شهرا، واختلفوا في المرأة، وهل هي كالرجل في ذلك؟ أم لا؟ قال الجمهور: والمرأة كالرجل في أنها تقتل إذا لم تتب، ولا يجوز استرقاقها. هذا مذهب الشافعي ومالك والجماهير، وقال أبو حنيفة وطائفة: تسجن المرأة، ولا تقتل، وعن الحسن وقتادة أنها تسترق، وروي عن علي.
قال القاضي عياض: وفي الحديث أن لأمراء الأمصار إقامة الحدود في القتل وغيره، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة والعلماء كافة، وقال الكوفيون: لا يقيمه إلا فقهاء الأمصار، ولا يقيمه عامل السواد.
قال: واختلفوا في القضاة، إذا كانت ولا يتهم مطلقة، ليست مختصة بنوع من الأحكام، فقال جمهور العلماء: تقيم القضاة الحدود، وينظرون في جميع الأشياء إلا ما يختص بضبط البيضة من إعداد الجيوش وجباية الخراج، وقال أبو حنيفة: لا ولاية في إقامة الحدود.
وفي بعث معاذ إلى اليمن مع أبي موسى جواز تولية أميرين على البلد الواحد، وقسمة البلدين بين أميرين.
ومما حدث بينهما يستفاد استحباب التزاور بين الإخوان والأمراء والعلماء.
ومن موقف معاذ، وعدم نزوله يستفاد استحباب المبادرة إلى إنكار المنكر.
وإقامة الحدود على من وجبت عليه.
ومن ابتغاء معاذ الأجر في نومه يستفاد أن المباحات يؤجر عليها بالنية، إذا صارت وسائل للمقاصد الواجبة أو المندوبة، أو تكميلا لشيء منهما.
ويستفاد من الرواية الخامسة الحذر من أخطار الإمارة ولو على اثنين.
والحذر من أخطار ولاية مال اليتيم.
وعنون النووي لهذه الرواية الخامسة بباب كراهة الإمارة بغير ضرورة.
والله أعلم.