للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تخفوه يحاسبكم به الله إلخ، ولكن لما كان اللفظ مما يمكن أن تدخل فيه الخواطر التي ليست في الوسع أشفق الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم فبين الله لهم ما أراد بالآية، وخصصها ونص على حكمه وأنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، والخواطر ليست هي ولا دافعها في الوسع، بل هي أمر غالب، وليست مما يكتسب، فكان في هذا البيان فرجهم، وكشف كربهم، فتكون الآية الأولى محكمة مخصوصة.

ثم إنه يمكن أن تكون محكمة مخصوصة بيقين المسلمين ونفاق الكافرين. فكأنه قال: إن تبدوا ما في أنفسكم من يقين أو نفاق يحاسبكم به الله.

ثم إنه يمكن أن تكون محكمة وعلى عمومها، وأن الله يحاسب عباده على ما عملوا وعلى ما أضمروا فيغفر للمؤمنين، ويأخذ أهل الكفر، فقد روي عن ابن عباس، قال: لم تنسخ، ولكن إذا جمع الله الخلائق يقول: إني أخبركم بما أكننتم في أنفسكم، فأما المؤمنون فيخبرهم ثم يغفر لهم، وأما أهل الشك والريب فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب، فذلك قوله تعالى: {فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء} [البقرة: ٢٨٤] وهو أيضا قوله: {ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم} [البقرة: ٢٢٥] فالمحاسبة وإن وقعت لكن لا تقع المؤاخذة.

ويقول هذا الفريق: إن المراد بقوله: "نسخها الله" أزال ما تضمنته من الشدة بالتخصيص أو بالبيان، وكثيرا ما يطلق المتقدمون عليهما لفظ النسخ.

وقد أجاب مدعو النسخ عن هذين الوجهين، فقالوا عن الأول:

إن الآية وإن كانت خبرا فإنه خبر عن تكليف ومؤاخذة بما تكن النفوس، والتعبد بما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن يثبتوا عليه وأن يلتزموه وينتظروا لطف الله في الغفران، وأن يقولوا سمعنا وأطعنا، وهذه أقوال وأعمال اللسان والقلب، فينسخ ذلك عنهم برفع الحرج.

وعن الثاني: أن قولهم إن النسخ يصار إليه إذا تعذر البناء كلام صحيح، لكنه فيما لم يرد فيه النص بالنسخ، فإن ورد وقفنا عنده، نعم اختلف أصحاب الأصول في قول الصحابي رضي الله عنه: نسخ كذا بكذا، هل يكون حجة يثبت بها النسخ أو لا يثبت؟ لأنه قد يكون قوله هذا عن اجتهاده وتأويله، فلا يكون نسخا حتى ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وأخيرا قال الواحدي: والمحققون يختارون أن الآية محكمة غير منسوخة. والله أعلم.

هذا وقد أخذ بعضهم من الحديث جواز التكليف بما لا يطاق، محتجا باستعاذتهم منه، بقوله: {ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به} ولا يستعيذون إلا بما يجوز التكليف به. ورد هذا القول بأن معنى ذلك ما لا نطيقه إلا بمشقة، أما قولهم: "كلفنا ما نطيق وقد أنزلت عليك آية لا نطيقها، فمرادهم أيضا كلفنا ما نطيق بيسر، وقد أنزلت عليك آية لا نطيقها إلا بمشقة. فلا حجة فيه على جواز التكليف بما لا يطاق.

[خاتمة] قال أبو إسحاق الزجاج: هذا الدعاء الذي في قوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا} إلى آخر سورة البقرة أخبر الله تعالى به النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وجعله

<<  <  ج: ص:  >  >>