منه إلى ترجيح القول بأنها في طاعة الأمراء، ويؤيده في هذا الترجيح أن قبلها قوله تعالى:{إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل}[النساء: ٥٨].
(نزل في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي، بعثه النبي صلى الله عليه وسلم في سرية) وسرية عبد الله بن حذافة أرخها ابن سعد في ربيع الآخر لسنة تسع، وقد ذكر البخاري روايتنا التاسعة والعاشرة مع اختلاف يسير في بعض الألفاظ تحت باب سرية عبد الله بن حذافة فهو المراد من الأمير الذي أمر جنده بدخول النار، قال الحافظ ابن حجر: ويبعده وصف عبد الله بن حذافة السهمي القرشي المهاجري بكونه أنصاريا، إذ جاء في روايتنا العاشرة "واستعمل عليهم رجلا من الأنصار" ثم قال الحافظ: ويحتمل الحمل على المعنى الأعم، أي أنه نصر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجملة. اهـ. وهذا تعسف بعيد، وأما ابن الجوزي فقال: قوله "من الأنصار" وهم من بعض الرواة، وإنما هو سهمي، واستبعد بعضهم نزول هذه الآية بشأن قصة هذا الأمير، فإن الصواب فيها عدم الطاعة، ورد الحافظ ابن حجر بأن المقصود من الآية في قصة هذا الأمير قوله تعالى:{فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} لأنهم تنازعوا في امتثال ما أمرهم به، وسببه أن الذين هموا أن يطيعوه وقفوا عند امتثال الأمر بالطاعة، والذين امتنعوا عارضه عندهم الفرار من النار، فناسب أن ينزل في ذلك ما يرشدهم إلى ما يفعلونه عند التنازع، وهو الرد إلى الله وإلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
(من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصى الله) في الرواية الثالثة "من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله" أي لأني لا آمر إلا بما أمر الله به، فمن فعل ما آمره به فإنما أطاع من أمرني أن آمره، ويحتمل أن يكون المعنى: لأن الله أمر بطاعتي، فمن أطاعني فقد أطاع أمر الله له بطاعتي، وفي المعصية كذلك، والجملة الأولى منتزعة من قوله تعالى:{من يطع الرسول فقد أطاع الله}[النساء: ٨٠].
(ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني) في الرواية الثالثة "ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني" قال الحافظ ابن حجر: ويمكن رد اللفظين لمعنى واحد [وأن يراد مطلق أمير، أعم من أميره صلى الله عليه وسلم] فإن كل من يأمر بحق، وكان عادلا، فهو أمير الشارع، لأنه تولى بأمره وشريعته.
(عليك السمع والطاعة)"عليك" اسم فعل أمر، أي الزم، و"السمع" مفعول به لاسم الفعل.
(في عسرك ويسرك) أي فيما يشق عليك، وتكرهه نفسك، وفيما تحب وترضى، أي على كل حال.
(ومنشطك ومكرهك)"منشط" بفتح الميم والشين، بينهما نون ساكنة، ومكره على وزنها، أي في حالة نشاطك، وفي الحالة التي تكون فيها عاجزا عن العمل بما تؤمر به، قال ابن التين: والظاهر أنه أراد وقت الكسل والمشقة في الخروج، ليطابق المنشط، ويؤيده ما جاء عند أحمد بلفظ "في النشاط والكسل" وفي رواية البخاري "فيما أحب وكره".