(وأثرة عليك) بفتح الهمزة والثاء، ويقال بضم الهمزة وإسكان الثاء، وبكسر الهمزة وإسكان الثاء، ثلاث لغات، أي الاستئثار بحظوظ الدنيا، والاختصاص بها دونك، وحرمانك من حقوقك.
(إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع) المفعول محذوف، أي أسمع لأمرائي وأطيعهم.
(وإن كان عبدا مجدع الأطراف) أي وإن كان من ولي علي عبدا مجدع الأطراف، بضم الميم وفتح الجيم وتشديد الدال، أي مقطوعها، والمراد أخس العبيد، أي أسمع وأطيع للأمير، وإن كان دنيء النسب، حتى لو كان عبدا أسود مقطوع الأطراف، فطاعته واجبة، وفي ملحق الرواية "عبدا حبشيا مجدع الأطراف" وفي الرواية السادسة "عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا" وفي الرواية السابعة "عبد مجدع -أسود" وعند البخاري "وإن استعمل عليكم عبد حبشي، كأن رأسه زبيبة" أي في تجمعها وصغرها، وسواد شعرها، وهو تمثيل في الحقارة، وبشاعة الصورة، وعدم الاعتداد بها، و"إن استعمل" بضم التاء وكسر الميم، أي جعل عاملا، بأن تأمر إمارة عامة على البلد مثلا، أو ولي فيها ولاية خاصة، كالإمامة في الصلاة، أو جباية الخراج، أو مباشرة الحرب. وسيأتي الكلام على ولاية العبد في فقه الحديث.
(فأوقد نارا) أي فأمر بإيقاد نار، ففي الرواية العاشرة "فأغضبوه في شيء، فقال: اجمعوا لي حطبا، فجمعوا له، ثم قال: أوقدوا نارا، فأوقدوا .... " وفي ظنهم أنهم سيصنعون عليها صنيعا لهم، أو يصطلون.
(وقال: ادخلوها) في الرواية العاشرة "ثم قال: ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي وتطيعوا؟ قالوا: بلى. قال: فادخلوها" وفي رواية "قال: أليس عليكم السمع والطاعة؟ قالوا: بلى. قال: أعزم عليكم بحقي وطاعتي لما تواثبتم في هذه النار" وقد ذهب العلماء مذاهب شتى في حقيقة أمره لهم بدخولها، فقيل: إنه على الحقيقة، وإنه كان قاصدا تنفيذهم الأمر، لأنه كان مغضبا غضبا شديدا، أغلق عليه باب الحكمة، ففي الرواية العاشرة "فأغضبوه في شيء ... فسكن غضبه" وفي رواية البخاري "فغضب عليهم" وهذا القول بعيد، وقيل: إنه قال لهم ذلك هازلا، فقد روي أنه كانت به دعابة، وأنهم تحجزوا، حتى ظن أنهم سيثبون فيها قال لهم: احبسوا أنفسكم، فإنما كنت أضحك معكم".
وقيل: إنه أراد أن يؤكد لهم أن طاعة الأمير واجبة، وأن من تركها دخل النار، فأوقد لهم النار، وأمرهم بدخولها، ليخافوا منها، ويستصعبوا دخولها، فيخافوا النار الكبرى، فيسمعوا ويطيعوا، وكأن قصده أنه لو رأى منهم الجد في دخولها لمنعهم، كما تقدم لطفلك قطعة من النار، وتطلب منه أن يلمسها، ليحذر النار الحقيقية، والمراد من غضبه على هذين القولين الغضب الخفيف، الناشئ عن شيء من المخالفة، الدافع إلى الزجر والتخويف، فلما رأى منهم ما رأى سكن غضبه، فقد تحقق له هدفه.