للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(فأراد ناس أن يدخلوها) رأوا أن الأمر بالطاعة مطلق، وأن هذه الحالة داخلة فيه، كما في الأوامر التي تصدر للصاعقة في الجيوش الحديثة، أو أنهم ظنوا أنهم إذا دخلوها لا تضرهم، لأن دخولهم بسبب طاعة أميرهم، لكن هذه الإرادة لم ينفذها أحد، وإن كانوا تكلموا بها، فعلمت إرادتهم.

(وقال الآخرون: إنا قد فررنا منها) أي إنما أسلمنا فرارا من النار، فكيف ندخلها؟ ففي الرواية العاشرة "إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار، فكانوا كذلك" فريقا يقبل اقتحامها، وفريقا يرفض اقتحامها" وسكن غضبه، وطفئت النار" وحدها، وفي رواية البخاري "فبينما هم كذلك إذ خمدت النار" و"خمدت" بفتح الميم" وضبط في بعض الروايات بكسر الميم، ولا يعرف في اللغة، ومعنى "خمدت" سكن لهبها، وإن لم يطفأ جمرها، فإن طفئ قيل: همدت.

(فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم) في الرواية العاشرة "فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم" وفي رواية البخاري "فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم".

(فقال للذين أرادوا أن يدخلوها: لو دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة) الضمير للنار التي أوقدت، وليس لنار جهنم، والمعنى: أنهم لو دخلوا فيها لاحترقوا، فماتوا، فلم يخرجوا إلى يوم القيامة، وفي الرواية العاشرة "لو دخلوها ما خرجوا منها" أي أحياء، وعند البخاري "ما خرجوا منها إلى يوم القيامة" وفي رواية "ما خرجوا منها أبدا". وكون الضمائر للنار التي أوقدت هو الظاهر، ويحتمل أن يكون الضمير في "لو دخلتموها" للنار التي أوقدوها، والضمير في "لم تزالوا فيها و"ما خرجوا منها" لنار الآخرة، ففي العبارة نوع من أنواع البديع، المعروف بالاستخدام، والمعنى لو دخلوا هذه النار كانوا عاصين، مستحقين دخول نار جهنم، لأنهم قتلوا أنفسهم، وما خرجوا من نار جهنم، وليس المراد أنهم يخلدون في نار جهنم، لأنه سيخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان، وإنما المراد به الزجر والتخويف، وقيل: لو دخلوها مستحلين.

(إنما الطاعة في المعروف) أي لا طاعة في معصية الله، ففي رواية "من أمركم منهم بمعصية فلا تطيعوه".

(بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) بسكون العين، وفي الرواية الثانية عشرة "دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه" والمراد من المبايعة المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع، لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا البيعة، كانت بأخذ الكف، وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المفاوضة لما وعدهم الله تعالى من عظيم الأجر، في قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة} [التوبة: ١١١].

وعبادة بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث بيعات، الأولى من الأنصار ليلة العقبة، قبل الهجرة، فكان من الاثنى عشر الذين بايعوا في العقبة الأولى، وقد ذكر ابن إسحق أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمن حضر من الأنصار: أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك، وأخرج أحمد

<<  <  ج: ص:  >  >>