فاضطر في شرحه لأحاديث هذا الباب أن يتكلم عن ولاية العبد، لقوله في رواياتنا الخامسة والسادسة والسابعة "عبدا حبشيا" وأن يتكلم عن انعقاد الإمامة للكافر، وحكم من طرأ عليه الكفر، وخلع الإمام المبتدع والفاجر، لقوله في روايتنا الحادية عشرة والثانية عشرة "وأن لا ننازع الأمر أهله" وسنرجئ الكلام عن هذين الموضوعين للباب الآتي إن شاء الله، ونقتصر هنا على ما يتعلق بالطاعة في غير معصية.
ويجب أن نفرق بين طاعة الأوامر والنواهي في المعاصي، وبين طاعة الأمير العاصي أو الفاسق، إذا لم يأمر بمعصية، بمعنى: هل نقوم بالعصيان المدني السلبي للحاكم الفاسق؟ فلا ننفذ أوامره؟ ولو كانت بغير معصية؟ أخرج ابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة، ويعملون بالبدعة، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها. فقلت: يا رسول الله، إن أدركتهم كيف أفعل؟ قال: تسألني يا ابن أم معبد؟ كيف تفعل؟ لا طاعة لمن عصى الله" فظاهر هذا الحديث أنهم لا يطاعون في أوامرهم، لكن روى مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا أبا ذر، كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يميتون الصلاة -أو قال: يؤخرون الصلاة؟ قلت: يا رسول الله، فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلها، فإنها لك نافلة" والحق أن طاعة هؤلاء في أوامرهم بغير المعصية واجبة، أما واجب أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر فهو باب آخر.
-[ويؤخذ من الأحاديث فوق ما تقدم]-
١ - من الرواية التاسعة والعاشرة أن الحكم في حال الغضب ينفذ منه ما لا يخالف الشرع.
٢ - أن الغضب يغطي على ذوي العقول.
٣ - أن الإيمان بالله ينجي من النار، لقولهم: إنما فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار، والفرار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فرار إلى الله، والفرار إلى الله يطلق على الإيمان، قال تعالى:{ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين}[الذاريات: ٥٠].
٤ - وفيه أن الأمر المطلق لا يعم الأحوال، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يطيعوا الأمير، فحملوا ذلك على عموم الأحوال، حتى في حال الغضب، وفي حال الأمر بالمعصية، فبين لهم صلى الله عليه وسلم أن الأمر بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية.
٥ - واستنبط منه ابن أبي جمرة أن الجمع من هذه الأمة لا يجتمعون على خطأ، لانقسام السرية قسمين.
٦ - وفيه أن من كان صادق النية لا يقع إلا في خير، ولو قصد الشر فإن الله يصرفه عنه، قال الحافظ ابن حجر: ولهذا قال بعض أهل المعرفة: من صدق مع الله وقاه الله، ومن توكل على الله كفاه الله.