(عندكم من الله فيه برهان) أي نص صريح من القرآن أو السنة، لا يحتمل التأويل، قال النووي: المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم، إلا أن تروا منهم منكرا محققا، تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم، وقولوا بالحق حيثما كنتم، وقال غيره: المراد من الكفر هنا معناه الشرعي، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر، قال الحافظ ابن حجر: والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية، فلا ينازع في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، وسيأتي مزيد لهذا في فقه الحديث.
(إنما الإمام جنة) أي ستر ووقاية، لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس، ويخافون سطوته.
(يقاتل من ورائه، ويتقى به) أي يقاتل معه الكفار والبغاة والخوارج وسائر أهل الفساد والظلم.
-[فقه الحديث]-
قال النووي: أجمع العلماء على وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وعلى تحريمها في المعصية، نقل الإجماع على هذا القاضي عياض وآخرون. ثم قال: وتجب طاعة ولاة الأمور فيما يشق وتكرهه النفوس مما ليس بمعصية، فإن كانت لمعصية فلا سمع ولا طاعة، كما صرح بذلك في الأحاديث، فتحمل الأحاديث الواردة بطاعة أولي الأمر مطلقا على الأحاديث المقيدة بأنه لا سمع ولا طاعة في المعصية. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: والحكمة في الأمر بطاعتهم المحافظة على اتفاق الكلمة، لما في الافتراق من الفساد. اهـ. فإن الخلاف سبب لفساد أحوال المسلمين في دينهم ودنياهم.
والأحكام الشرعية خمسة: الحرام والمكروه معصية، فإذا أمر بمحرم حرم تنفيذ أمره، وكذلك إذا نهي عن واجب، فإذا أمر بفعل مكروه، أو نهي عن فعل مندوب كره تنفيذ أمره ونهيه، وشرط بعضهم في ذلك أن لا يتعرض المحكوم في ذلك إلى عنت الحاكم وقهره وجبروته ولا إلى ضرر أشد.
بقي من الأحكام الشرعية ثلاثة المباح مستوي الطرفين، والمندوب، والواجب، وطاعته وتنفيذ أوامره فيها كلها واجبة بالإجماع، كما سبق.
وفي هذا المقام مواضيع متداخلة، فوضع النووي -رحمه الله تعالى- لهذه الأحاديث: باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، وبعد بابين قال: باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين، وتحريم الخروج من الطاعة ومفارقة الجماعة، باب حكم من فرق أمر المسلمين، باب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا ... باب البيعة على السمع والطاعة فيما استطاع.