مؤمنون بقوله تعالى:{إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}[التوبة: ١١١] بيعة لا يتربصون بها إلا إحدى الحسنيين، النصر أو الشهادة بيعة لله وفي الله ومن أجل الدفاع عن شريعة الإسلام، فكان أن رضي الله عنهم ورضوا عنه، وأنزل فيهم قوله:{لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}[الفتح: ١٨] وأنزل الله الرعب في قلوب الذين كفروا، فأذعنوا إلى الصلح الذي كان أساسا لفتح مكة، وكانت نتيجته دخول الناس في دين الله أفواجا، واكتسبت هذه البيعة شهرة إسلامية لها ولأصحابها، وصار المبايعون تحت الشجرة يفخرون حياتهم بها، فقد كانت شهادة من الله لهم بما كانوا عليه من الإخلاص والسكينة، وكانت إعلانا عن مكافأة الله لهم بالرضا عنهم، بل اكتسبت الشجرة التي بايعوا تحتها شهرة لا تقل عن شهرة أصحابها.
فعرفت بشجرة الرضوان، كما عرفت البيعة ببيعة الرضوان، وحرص الناس أن يتبركوا بها، أو بموضعها، فأخفى الله عليهم مكانها، حتى يكون توجههم إليه جل شأنه، لا إلى مخلوق من مخلوقاته، ومن تخيل مكانها، وأراد أن يتبرك به منعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وزاد الخلف تعمية مكانها حتى اليوم، فصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
-[المباحث العربية]-
(كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة) وكذا في الروايتين الخامسة والثامنة، وفي الرواية الثالثة "كنا أربع عشرة مائة" وفي الرواية العاشرة "ونحن أربع عشرة مائة" قال الحافظ ابن حجر: قيل: إنما عدل الصحابي عن قوله "ألف وأربعمائة" إلى قوله "أربع عشرة مائة" للإشارة إلى أن الجيش كان منقسما إلى المئات، وكانت كل مائة متميزة عن الأخرى، إما بالنسبة إلى القبائل، وإما بالنسبة إلى الصفات. وفي الرواية السادسة "كنا ألفا وخمسمائة" وفي السابعة "كنا خمس عشرة مائة" وفي الرواية التاسعة "كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة" قال النووي: أكثر روايات البخاري ومسلم ألف وأربعمائة، وكذا ذكر البيهقي أن أكثر روايات هذا الحديث ألف وأربعمائة [وفي هذا ميل إلى ترجيح هذه الروايات على غيرها، والأخذ بها، وإهمال ما عداها، وإلى هذا جنح البيهقي، وقال: إن رواية من قال ألف وأربعمائة أصح] ثم قال النووي: ويمكن أن يجمع بينهما بأنهم كانوا ألفا وأربعمائة وكسرا، فمن قال:"أربعمائة" لم يعتبر الكسر، ومن قال "خمسمائة" جبر الكسر. اهـ. ويؤيد هذا الجمع ما جاء في رواية البراء بن عازب عند البخاري "كانوا ألفا أو أكثر" وما جاء في ابن سعد عن معقل بن يسار "زهاء ألف وأربعمائة" وجمع بعضهم بأن من ذكر "ألفا وأربعمائة" أراد من بايع فعلا، ومن ذكر الزيادة أرادهم مع الذين كانوا غائبين أثناء البيعة، كعثمان رضي الله عنه ومن كان معه، أو أرادهم مع توابع الجيش من النساء والصبيان والخدم، وجمع بعضهم بأن العدد الأقل: عدد من ابتدأ الخروج، والعدد الأكثر راعى من تلاحقوا بهم، وأما روايتنا التاسعة "كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة" فقد قال عنها النووي: إن ابن أبي أوفى ترك بعضهم، لكونه لم يتقن العد، أو لغير ذلك. اهـ.